الحلم الكبير الذي مازالت الشعوب المغاربية تنتظره :" قيام الوحدة المغاربية "، يظهر أنه مازال بعيد المنال.فالدول المغاربية ليبيا ، تونس الجزائر، المغرب ، موريتانيا، منشغلة عن هذا الهدف الاستراتيجي بمشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . وإذا كانت بعض الدول المغاربية ترى في قيام الاتحاد المغاربي بداية حل تلك المشاكل، فإن البعض الآخر يفضل حلها بنفسه واعتمادا على اجتهاداته وإمكاناته الشخصية.
وإذا كانت تونس وعلى لسان رئيسها الحالي المرزوقي ، ترى بأن قيام الاتحاد المغاربي أصبح ضرورة ملحة، لأنه المفتاح السحري الحقيقي لحل العديد من المشاكل التي تتخبط فيها ليس تونس وحدها ولكن كافة الدول المغاربة، فإن المغرب يشاطرها نفس التصور ويسعى إليه ،لأن هناك إمكانات بشرية ومادية هائلة غير مستثمرة استثمارا عقلانيا ، كما أن هناك مبالغ كبيرة مالية يفضل أصحابها استثمارها خارج الدول المغاربية، لانعدام ضمانات واضحة وصريحة ورسمية تؤَمِّن انتقال رؤوس الأموال ، وتضمن حقوق أصحابها،في وقت تمنح كل دولة مغاربية على حدة فرص استثمارات، وبشروط تفضيلية لمستثمرين من خارج الدول المغاربية .
فلا توجد دولة واحدة تنتمي للدول الخمس المغاربية رابحة من عدم تفعيل اتحاد المغاربي . فحتى الجزائر التي تتوفر على إمكانات هائلة، وسيولة نقدية مريحة نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز ، والتي تقدر بأكثر من مائتي مليار دولار، لن تستغني عن اتحاد مغاربي قد يجنبها المزيد من المشاكل الجديدة التي قد تقض مضاجع السلطة المركزية . فارتفاع عدد شبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح ، وارتفاع شبكات تهريب المهاجرين من داخل افريقيا نحو اوربا عبر الجزائر نفسها. وارتفاع ضحايا الجريمة المنظمة العابرة للحدود داخل ترابها، دفع بالجزائر إلى رفع اعتمادات الجيش إلى 5.10 مليار دولار واعتمادات الأمن إلى 2.500 مليار دولار من أجل تأمين الحدود الجزائرية شرقا ،غربا وجنوبا. كما أن الاضطرابات في مالي والتغيير الذي حصل بليبيا وتونس جعل الجزائر تتحرك وبسرعة لتأمين حدودها قبل فوات الأوان.
فالجزائر التي تعتبر كل حدودها نقطا سوداء ، ومنها الجهة الغربية مع المغرب الذي لا يتأخر فيتدخل كل مرة لتأمين تلك الحدود احتراما لحسن الجوار، فإنها – وانطلاقا من الريبة والشك الذي يلازمها اتجاه المغرب - ترى بأن المغرب يسلك سياسة الغير معني بما يمر من تلك الحدود من أجل إضعاف الجزائر والتفرد بزعامة شمال افريقيا ،كما تعتقد هي .يقول الدكتور أحمد عظيمي للخبر" في "29 ديسمبر 2012:
" بعض بلدان الجوار لا توجد فيها سلطة ودولة تماما، إذا تحدثنا عن تنسيق عسكري مفترض مع المغرب، فهذا غير ممكن، لأن الرباط تعلم أن شمال إفريقيا لا يتحمل إلا دولة قوية وكبيرة واحدة، لذلك يعمل بكل الوسائل لإضعاف الجزائر وهو حاليا يشجع على نشوب حرب في مالي، مما يدفع إلى إضعاف قدرات الجزائر وبالتالي تقوية النظام الملكي".
فحسب د. أحمد عظيمي ، المغرب يسعى إلى توريط الجارة الجزائر في مستنقع مالي كي يستفيد ويتزعم دول شمال افريقيا ، والحقيقة هي عكس ذلك تماما ، إذ المغرب أعرب عن حسن نواياه اتجاه الجزائريين وغيرهم وعن الرغبة في التعاون مع الجزائر وعلى كل الواجهات الاقتصادية والأمنية والإستراتيجية، و في محاربة الإرهاب . وأنه ليس له أي رغبة في قيادة شمال افريقيا كما يتبادر لذهن الجزائريين . فهو يؤمن بالعمل المشترك المثمر والمفيد لكافة شعوب الاتحاد المغاربي وللإنسانية. كما أنه يدعو دائما إلى التشارك والتعاون من أجل حسن إدارة الأزمات جهويا ودوليا . إنما انعدام رغبة حقيقة لقيام اتحاد مغاربي لدى بعض الأطراف السياسية الجزائرية وبعض المثقفين الجزائريين هو المانع الذي يؤخر قيام الاتحاد المغاربي الذي تستفيد من عدم قيامه شبكات الاتجار بالممنوعات ومافيات تهريب البشر والحجر. فالأعذار التي يسوقها بعض المثقفين الجزائريين والتي يتحججون بها للتهرب من قيام الاتحاد المغاربي واهية ولا مصداقية لها ، تظهر في حديث د أحمد عظيمي :
" بالنسبة للشريط الحدودي الغربي، المؤكد أن المغرب يقود حربا غير معلنة منذ بداية الإرهاب في الجزائر، وقد سمح بتمرير السلاح حينها وحتى أسلحة إسرائيلية وكميات غير محدودة من المخدرات التي يقع القليل منها في أيدي الأجهزة الأمنية والجزء الأكبر يجد طريقه للاستهلاك في الجزائر وخارجها."
يقول ذ.عظيمي هذا الكلام ليخفي الغابة : الجزائر . وكأن الجزائر المدينة الفاضلة وحلم العابدين ، ليس بها لا "هروين" ولا "كوكايين " ولا أسلحة ولا جريمة ، وأن الشر كله يأتي من الجيران ، على قاعدة : "الشر هو الآخر". وهو لا يريد أن يقتنع ثم يدعو إلى تعاون أمني مؤسس على الثقة المتبادلة بين كافة الدول المغاربية ودول الجوار الأخرى الأفريقية،قادر على مواجهة الأخطار المحدقة ليس بالجزائر وحدها، وإنما بجيرانها كذلك ومنهم المغرب بطبيعة الحال. فأوروبا قوة عالمية فشلت في تدبير الهجرة السرية وحدها ، فاضطرت أخيرا وتحت ضغط المهاجرين والمآسي الإنسانية إلى طلب المساعدة من دول الجنوب .فما العيب في مطالبة الجزائر جيرانها -وبحسن نية - بمساعدتها لحماية الحدود المشتركة؟ ولماذا تنظر الجزائر إلى جيرانها وكأنها دولة " سيبة" تعيش على الفوضى في غياب المؤسسات الدستورية والأمنية والإدارية وكما يدعي الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية بن عومر بن جانة لـ 'الخبر' " التعاون الأمني بين الدول لحماية الحدود، يتطلب توفر إرادة سياسية ومؤسسات شرعية ووجود مؤسسات إدارية وأمنية قوية وفعالة من حيث النشاط الميداني، المرتكز على القوانين والأنظمة الإجرائية التي تحدد بدقة إجراءات مرور الأفراد والممتلكات عبر الممرات الحدودية الرسمية. وفي غياب هذه العوامل لدى بعض دول الجوار، تصبح لقاءات التنسيق الأمني محاولات اجتهادية للطرف المتضرر وهو الجزائر وشكلية للأطراف الأخرى"
إذن ، إن بقي الجزائريون ينظرون إلى دول الجوار بهذه النظرة التحقيرية ، واعتبارها دولا تسود فيها الفوضى ، وبأنها دول تحقد على الجزائر وتسعى لتدميرها ، و لا تسعى الجزائر إلى مراجعة مواقفها لبنائها على الاعتدال مقبول، فإن الجزائر لن تفلح في بناء شراكة حقيقية مع جيرانها قريبا أو على المدى المتوسط ، ولن تعرف الطمأنينة التي تُبْنى على إشراك الآخر، في الهموم والمشاكل ، لمحاولة إيجاد الحلول الدائمة التي ستفتح أبواب التعايش بين دول شمال افريقيا الخمس. وإذا كانت الجزائر تدعي أنها تتجنب المشاركة في حرب مالي لأنها لا تريد مأساة إنسانية على حدودها الجنوبية ، فعليها أن تكون منطقية مع نفسها وتفتح حدودها أمام المحاصرين من المغاربة الصحراويين بتند وف، ومنذ أكثر من ثلاثين سنة ، فهم الذين يعيشون المأساة الإنسانية الحقيقية تحت أعين الجيش الجزائري.
لقد أطلق القادة المغاربيون بمراكش سنة 1998 أول خطوة لبناء الاتحاد المغاربي ،و2013 على الأبواب ولم يتحقق الاتحاد بعد ، والذي لن يُبْنى إلا على الثقة ونكران الذات والإيمان بوحدة الهدف ووحدة الأمة مصداقا لقوله تعالى" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون". لقد انطلق التعاون الخليجي سنة 1981 وها هو يتحول من مجلس تعاون إلى "اتحاد" مجلس التعاون الخليجي بفضل حكمة قادة الدول الخليجية ، في وقت مازالت عجلة الاتحاد المغاربي مفرملة بسبب أعذار غير مقبولة جماهيريا . فمشكلة الصحراء التي يجد الجزائريون فيها " عاملا" لإضعاف المغرب ، لا تحتاج للكثير من الدراسة كي يعلم الجاهل بتاريخ المغرب أن تلك البقعة الطاهرة هي تراب مغربي ،وكما أن القبائل تراب جزائري .
فلم الصراع إذن ؟ فبالاتحاد ستزول جميع القيود والحدود ، ويصبح من حق الجزائري العيش والاستثمار في المغرب وهو آمن ، ويصبح من حق المغربي الانتقال إلى الجزائر لتحقيق مشاريعه هناك وهو آمن ، وكذلك لأي دولة مغاربية يرغب في العيش فيها هذا أو ذاك.
الحسن معتصم.