بقلم حميد خباش*.
لا يخفى أن الاتفاق على محمد العبادي كمسؤول عن جماعة العدل والإحسان، يؤكد على أن المتحكمين فيها ماضون على نفس النهج الذي خططوه لسلفه. فالرجل لن يكون إلا واجهة للاستهلاك. فمؤهلاته الفكرية والبدنية لا تسمح له بالتحكم في التنظيم.
كما أن هذا الاختيار يؤشر على صراع مرير على المواقع بين التيارات فيما بينها من جهة، وبين الأجيال من جهة أخرى.
فهناك تيار راديكالي منغلق يستحوذ على إمكانيات الجماعة وهو ضد أي تغيير للمواقف، وتيار آخر مرن يهفو إلى المشاركة في الحياة السياسية. وهو يتوهم أن الجماعة تحظى بتأييد شعبي واسع وأنه في حالة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع سيفوق رصيده ما يحصل عليه غريمه الإسلامي حزب العدالة والتنمية.
أما الصراع بين الأجيال فهو بين الحرس القديم والوافدين الجدد من الشباب الذين ينظرون بعين الغيرة إلى إخوان حركة الإصلاح الذين تبوؤوا مناصب عليا في الدولة.
وكدليل صارخ على هذا الصراع هو التنصيص على أن المسؤول الجديد يحمل صفة أمين عام.
هذه الصفة توحي بأن التنظيم عصري شبيه بالأحزاب وأنه يتم بالانتخاب، وله برنامج، ويمكن الاختلاف معه، وانتقاده، ويسري عليه ما يسري على أمناء الأحزاب من إمكانية الإقالة مثلا. وبالتالي فإن له سلطة دنيوية على الجماعة وليس روحية. وهذا يرضي إلى حد ما التيار المعتدل والجيل الجديد أو ما يسمى بالأشبال الذين سئموا من خطاب المزايدات.
وفي نفس الوقت صفة الأمين العام ترضي التيار المحافظ الجامد لأنه "يعتقد" أن ياسين هو خاتم الأولياء وأن رسالته في هذه الدنيا كانت بأمر إلهي... انطلاقا من الآية القرآنية: "والله يعلم حيث يجعل رسالاته". وعليه، فلا يمكن أن يخلفه أحد فيما يخص سلطته الروحية.
والراجح أن الراديكاليين سيستمرون في الهيمنة على الجماعة بواسطة ياسين وهو في قبره، عبر قناة الرؤى، فكرامات الشيخ لا يمكن أن تنتهي بموته وانتقاله إلى دار البقاء. وهو سيراقب من هناك، وسيوجه وينصح ويقوم الإعوجاج. وذلك على خلاف جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر التي تمثل الإطار المرجعي للحركات الإسلامية، فقد استمر منصب المرشد العام على مدار ما يفوق أكثر من ثمانين سنة، من حسن البنا إلى محمد بديع. لأنهم يماثلون بين المرشد العام والقائد والرئيس. لكن العدليين في بلادنا فهموا أن هذه الصفة تعني الولي والقطب الروحي وصاحب الوقت والغوث.
لكن السؤال المطروح هو أنه حتى إذا سلمنا بهذه المنازل والمدارج، فمن زكى صاحبنا ومن أجازه؟ خاصة وأن المعهود في هذا المجال أن الأمر يكون بالتزكية. والشيخ العباس أورث سره لابنه حمزة.
ومن هنا يظهر أن النزعة الغيبية ستظل صاحبة الكلمة الأولى في الجماعة. فالتيار المتحكم سيصرف آراءه وتوجيهاته -كما في السابق- عبر الشيخ الراحل، فالله الذي اختاره لهذه المهمة الجليلة ألا وهي تجديد أمر هذا الدين، سيمكنه لا محالة من مواصلتها من قبره بواسطة روحه. فمن مبشرات الجماعة كما هي منشورة، أن والدة الشيخ تكلم الناس من قبرها، فبالأحرى ابنها غوث هذا الزمان... أفلم ير مريدوه بين اليقظة والمنام أن الرسول صلى الله عليه وسلم يخاطبهم قائلا: "سعداتكم جيتو في زمان سيدي عبد السلام".
ومن الطبيعي ألا يتم استخلاف هذا القطب، فالأمر يتجاوز بين البشر. وإذا كان الخميني إماما معصوما في نظر الشيعة وتضفي عليه كثيرا من القدسية، فقد تم تعويضه بعد مماته بإمام آخر هو خامناي. أما ياسين فيفوق هذه المرتبة بحيث لا يمكن لأحد أن يحل محله.
ولو كان الأمر بالتربية والتكوين لهان، فهناك العديد ممن تكونوا على يد الشيخ. لكن ذلك يتجاوز العالم المادي المحسوس إلى عالم الروحانيات حيث يكلف الله من يشاء ويختار !
وهكذا سيكون محمد العبادي صاحب دور ثانوي- بمثابة ناطق رسمي للجماعة- أما سفينتها فستكون قيادتها بيد الدهاة الذين نجحوا في صناعة الشيخ.
*صحافي وباحث في شؤون المقاومة وجيش التحرير.