لم يفرض أي أحد على رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، خلال فترة المخاض، التي سبقت ولادة الأغلبية، أسماء الأحزاب التي سيتحالف معها، فقد اختار عن طواعية أن يمد يده لأحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية.
لقد كان بإمكان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن يختار حلفاء آخرين، وأن يحرم حزب علال الفاسي، من حليب ضروع الحقائب الوزارية، وأن يختار حليفا آخر يمنحه أغلبية مريحة من دون أن يغرس شوكة في خصره.
وفي عز هذه المفاوضات التي قادها بصعوبة بالغة عباس الفاسي الأمين العام السابق للحزب، ارتفعت بعض الأصوات، داخل اللجنة التنفيذية، التي حذرت من مد اليد إلى لهيب "المصباح"، برز من بينها أساسا أحمد توفيق احجيرة وحميد شباط.
واليوم حين يرتفع صوت شباط، فإن ذلك يدخل في سياق الانسجام مع الذات، لأن الرجل كان ضد المشاركة أولا، و لن ينسى للعدالة والتنمية، الحروب التي خاضتها ضده في مجلس فاس، بلا هوادة، ثانيا، ولأنه يريد أن يضع بصمة الأمين العام الجديد على هذه التجربة سواء بـ "فرض" تعديل حكومي أو الخروج أصلا من الحكومة، وقد أعد لهذه الغاية مذكرة سيقدمها لعبدالإله بنكيران في 3 يناير القادم ثالثا.
ورغم كل التصريحات "النارية" أحيانا فإن حميد شباط لا يزال متشبثا بـ "ميثاق الأغلبية" الذي وقعته الأحزاب المشاركة في الحكومة، و بمبدأ التضامن الحكومي الذي على أساسه تتكون الأغلبيات في الدول الديمقراطية، فقد كان بإمكان الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين أن يُسقط مشروع قانون المالية لكنه لم يشأ أن يخلق أزمة، واختار الحفاظ على الاستقرار الحكومي.
وإذا كان هناك بالفعل من سيتطيب حلاوة قيادة الحكومة ويبحث عن شرف المعارضة، فهو حزب رئيس الحكومة، الذي يضع رجلا في كل ضفة، ولا غرو بعد ذلك أن يُقلده كل من يركب معه في السفينة، لأن مثل هذه "الصدمة" قد تعالجه من انفصام الشخصية ومن هذه "الحياة" المزدوجة، وقد تدفعه إلى التخلي عن لعبة تقسيم الأدوار بين وجوهه.
وإذا كان هناك من يمارس التهريج الشعبي بامتياز، كما يتابع ذلك المغاربة فهو رئيس الحكومة، الذي أغنى القاموس السياسي بـ "العفاريت والتماسيح والأفاعي".
ولأن " مول الفز تيقفز" كما قال بنكيران، فإن الذين يقفزون في هذه المرحلة كثيرون في صفوف الأغلبية والمعارضة معا.
والأكيد أن عباس الفاسي ليس هو حميد شباط، لأن الأول تم استقدامه من باريس ليقود الحزب، وزكاه الأمين العام الذي سبقه في هذه المهمة امحمد بوستة، ولعل الكل يذكر تلك القبلة الشهيرة التي طبعها عباس على كف امحمد. أما شباط، فقد حمله المؤتمر إلى سدة الأمانة العامة، عن طريق الاقتراع المباشر، ولم يكن فارق الأصوات بينه وبين منافسه يتعدى 20 صوتا.
وفي كل مرة يصعد "زعيم" جديد لقيادة حزب سياسي، يبدأ الحديث عن الأجهزة المعلومة، وكأن هذه الأجهزة تمتلك جيشا من المناضلين يرجحون كفة هذا المرشح على ذاك، هذا ما قاله عبدالواحد الفاسي من قبل ويكرره أحمد الزايدي اليوم بعد أن توج المؤتمر التاسع إدريس لشكر كاتبا أولا.
من حق شباط أن ينتقد الأداء الحكومي، لأن حزب العدالة والتنمية يريد أن يستفرد باتخاذ القرارات من دون إشراك باقي مكونات الأغلبية، وهو ما أصبح يهدد التحالف في حد ذاته، لأن الأحزاب المشكلة له ترفض أن تكون مجرد قطيع أغنام في حظيرة العدالة والتنمية.
وليس شباط أو حزب الاستقلال فقط من هم غير راضين على الأداء الحكومي، بل أغلبية الشعب المغربي، لأنه لم ير ، لحد الآن، إلا الوعود "الكاذبة".
والخاسر الكبير في هذه الحالة هو الشعب، الذي غرته الأماني، وظن أن التصويت على رمز "المصباح" أحسن ما في الرموز.
أما القصر فلا يهمه صعود هذا الرمز أو ذلك، ما دام خارج دائرة صراع الديكة، وبعيدا عن طموحات الأحزاب، إنه حكم، وليس خصما لأحد أو طرفا في النزاع، وساهر عن احترام إرادة الشعب كما عبر عنها من خلال صناديق الاقتراع.
رشيد الانباري