بوحدو تودغي
يستحق علي أنوزلا لقب مسقط الطائرات بامتياز، مادام أنه في كل مرة يثير إحدى القضايا السياسية أو الإجتماعية وحتى الرياضية، إلا وأحال على بعض رموز الدولة ومؤسساتها، في محاولة لتحميلها كل البلاوي التي تحدث في هذا الوطن وهو ما اتضح جليا حين قال في افتتاحية موقعه الإلكتروني، أن شباط وحزبه لا يملكان الشجاعة والقرار المستقل للخروج من الحكومة، مؤكدا في شبه يقين أن ما يقوم به شباط هو جزء من "الصفقة" التي بموجبها أوتي به إلى رآسة حزبه حتى يكون شوكة في خصر الحكومة التي يقودها "العدالة والتنمية". قبل أن يختم بالقول إن "كلاهما جزء من لعبة كبيرة المستفيد الوحيد منها هو القصر والخاسر الكبير فيها هو الشعب".
فالطريقة التي استعملها أنوزلا لنفث بعض من سمومه التي يحويها جرابه، توضح بجلاء أن الخاسر الأكبر في كل ما يحدث اليوم هو أنوزلا نفسه الذي لم يقو على مسايرة التحولات التي يعرفها المغرب، وحالة الإستقرار التي ينعم بها، لأن ذلك لم يخدم أجندة الجهات التي وظفته أول مرة، وكانت تعول عليه وعلى من في شاكلته لقيادة الفوضى وإشاعة البلبلة، وهو ما لم يتحقق بالرغم من كل النعرات التي خلقها من على شاكلة أنوزلا وهم كثر، فأنوزلا الذي منح نفسه صفة المناضل الشرعي في هذا البلد ونزع هذه الصفة عن باقي المغاربة يدرك تماما أن ما يحدث اليوم في الساحة هو نتاج طبيعي للتحولات السياسية التي يعرفها المغرب، وأنه أمر لابد منه للانتقال من وضع إلى وضع، في ظل دستور جديد توافق عليه المغاربة، لكن الحكومة فشلت في تنفيذه وهذا أمر تحاسب عليه الحكومة وليس المؤسسات الأخرى، ولكن لأن أنوزلا يريد دائما رؤية الأمور من زاوية معقوفة، فإنه في كل مرة يحيل على المخزن، في تغييب كلي لباقي المكونات، وخاصة حزب الاستقلال الذي لا ينكر دوره التاريخي إلا جاهل أو حاقد، خصوصا أن الحزب وعلى مدى ستة عقود راكم الكثير من التجارب وساهم في تحقيق الإستقرار الذي ينعم به اليوم أنوزلا، وجعله يكتب بطلاقة بل وبصفاقة في كثير من الأحيان.
ويبدو أن أنوزلا غاضب بشدة على حزب الإستقلال حيث لا يفوت الفرصة دون أن ينال من قيادة وأعضاء ومناضلي الحزب، كأن بينه وبين الحزب ثار قديم، أو أن شباط أخطأ حين لم ينل رضا أنوزلا قبل أن تطأ قدماه باب العزيزية، الذي يعرف أنوزلا جيدا خباياه، وحقيقة من كان يقطن به ليس في المغرب طبعا، ولكن في ليبيا التي أكل ذات يوم من ثمار غلتها، قبل أن يسب النعمة والملة ويصطف إلى جانب المهرولين.
فحزب الاستقلال شارك في الحكومات وخرج للمعارضة مرات وكل ذلك وفق تصوره للظروف وشروط الممارسة السياسية، ولو كان حزب صفقات لما مد يده لبنكيران أو غيره ولكن فاوض من خلال موقعه الثاني في الأغلبية الحكومية، وهو موقع يمنحه فرصا كثيرة لوقف القطار إذا زاغ عن سكته وليس تركه يدمر كل شيء.
فالمسؤولية التاريخية لحزب الاستقلال أن يقول اليوم إن الأمور داخل الحكومة ليست على ما يرام وأن تدبير الشأن العام يعرف منعطفات خطيرة، ومن حقه أن يمارس النقد للحكومة التي يشارك فيها بل هي شجاعة أولا. كما أنه من حق الحزب أن تكون له ملاحظات على أداء وزرائه وبالتالي من حقه المطالبة بتعديل حكومي قصد تغيير الوجوه الحزبية لأن أداءهم بالنتيجة محسوب على الحزب.
فأنوزلا يرى السياسة في المغرب مجرد مؤامرات وصفقات، لأن الطيور على أشكالها تقع، فهو متآمر من الدرجة الأولى ورجل صفقات بامتياز.