لم يكن غياب نادية ياسين وزوجها عبدالله الشيباني عن الندوة الصحفية التي "نصّبت" محمد عبادي أمينا عاما لجماعة العدل والإحسان، وفتح الله أرسلان نائبا له، هو الشكل الوحيد للاحتجاج عن رفض خيارات مجلس الإرشاد وقراراته. فقد سارعت "حركة أشبال العدل والإحسان لنصرة الصحبة" للإعلان عن رفض هذه "المؤامرة" ، وبادرت إلى إصدار بيان جديد تعلن فيه رفضها لقرار هذا الجهاز، لسبب بسيط هو أنه تم اتخاذه بعيدا عن أعين القواعد.
غياب نادية ياسين لم يكن لطارئ ألم بها، وإنما هو اختيار استراتيجي يعني أن ورثة الشيخ أو "الإمام" لا يزكون سياسة مجلس الإرشاد، علما أن نجلة ياسين ما فتئت تنتقد، هي والمخلصات لها، طريقة تسيير الجماعة منذ أن بدأت الظروف الصحية للشيخ لا تسعفه على الإشراف المباشر على تدبيرها، فاستفرد فتح الله أرسلان ومن يدور في فلكه بالقرار.
لقد كان جزاء هاته النسوة اللواتي عبرن بصريح العبارة عن رفضهن لما آلت إليه أمور الجماعة هو تعرض هيأة "الزائرات" للإزاحة من طرف الهيئة العامة للأمل النسائي، التي يتحكم فيها المجلس العام للتوجيه والإرشاد، كرد فعل انتقامي ضد كريمة عبدالسلام ياسين، التي كانت تدبر هامشا من الحرية، لم يكن يخضع لسيطرة المجلس.
أما رفض " أشبال العدل والإحسان" لقرارات مجلس الإرشاد فنابع من رفضهم الطريقة التقليدية في التعامل مع ذكاء المنتمين للجماعة في انتخاب من سيعوض الشيخ عبد السلام ياسين، ويطالبون بتطبيق الديمقراطية من خلال ترشيح من يرى نفسه مؤهلا للخلافة ثم التصويت عليه.
موقف "الأشبال" من مجلس الإرشاد واضح منذ أن أصدروا بيانهم الأول، لأنهم يرون أنه زاغ عن مبدأ الدعوة على أساس الصحبة كما جاء ذلك في كتاب "المنهاج النبوي"، وأصبح يمارس السياسة وفق حسابات ضيقة.
صاحب هذه الحسابات هو فتح الله أرسلان، الذي يصفه الأشبال بـ " رأس الفتنة"، معتبرين أن الجماعة تتجه نحو الطريق غير الصحيح، وانطواءها على نفسها مع مجلس إرشادها في تنظيم مغلق دون مرشدها العام غير ممكن، و لو كان ممكنا لكان اختناقا وتقهقرا ونكوصا عن تبليغ رسالة العدل و الإحسان، بل وانتحارا.
بعد غياب عبدالسلام ياسين، ستجد الجماعة، التي أصبحت أقرب إلى حزب باختيارها أمينا عاما وإقبارها صفة المرشد العام مع دفن مؤسسها، في مواجهة صريحة مع من خبر عمقها ويفهم جيدا ألاعيب قيادتها الجديدة ومع من يعارض توجهات هذه القيادة أصلا. فهل ينكمش مجلس الإرشاد وينهار تحت الضربات الموجعة لخصومه وعلى رأسهم نادية ياسين و"الأشبال" أم سيمتلك القدرة على استعادة زمام التحكم بعد رحيل الشيخ؟
رشيد الانباري.