بين النائبة البرلمانية التي تغزلت بربطة عنق بنكيران، يوم أمس الاثنين (24 دجنبر)، الفارط ومعها نوهت بالسيدة حرم عبد الإله، وبين بقية المداخلات التي أكدت لنا شيئا أساسيا وهاما هو أن المسألة النسائية في المغرب تحتاج لأصوات جديدة تحملها وتدافع عنها خير الدفاع، بقيت حقوق المرأة والاتفاق حول المناصفة وحول بقية الأمور الخاصة بالنصف الآخر من المجتمع عالقة إلى حين، وبقيت الجلسة الشهرية حولها التي عقدها رئيس الحكومة مجرد إجراء شكلي ليس إلا والسلام.
مسألة أساسية واحدة انتبه إليها كل من شاهد الجلسة يوم الإثنين هي ضعف المداخلات القادمة من السيدات النائبات المحترمات، أغلبية كن أو معارضة. كلمات إنشائية ملقاة بطريقة مضحكة. عبارات فضفاضة لا تسمن ولا تغني من جوع. وابتعاد تام عن قضية المرأة التي يفترض أن السيدات هن الحاملات الأوليات لها في المغرب.
كان الجميع يتخيل شكل نسائنا في المدن والقرى وهن يبتسمن بسخرية ويقلن “واش هادو هوما اللي كيمثلونا؟”، وكان الجميع يقول لنفسه إن المرأة المغربية تستحق بالفعل أن تحمل قضيتها من هن في مقام أفضل وبقدرات أرفع بكثير من الأداء المخجل والمتواضع الذي رأيناه يوم الإثنين الفارط.
أعرف أن الكلام قد يغضب بعض الفاعلات النسويات، وسيعتبرنه “عنفا لفظيا ذكوريا” ضدهن، لكنها الحقيقة بكل إيلامها لمن كان مثل كاتب هذه السطور مؤمنا بقضية المرأة إلى أقصى حد، ومعتنقا لكل نضالاتها، وراغبا بالفعل في تحريرها وتحررها من كل القيود الرجعية التي لا معنى لها في زمننا اليوم.
لكن الاقتناع بقضية المرأة شيء، والسكوت عن هزالة المدافعات عنها شيء آخر مخالف تماما. وأعرف مرة أخرى _والمسألة ليست حكرا على النساء_ أن هناك طاقات نسائية مشعة في كل مكان من المغرب من الممكن أن تحمل قضية المرأة بشكل أكثر تألقا من الشكل الذي قدمت به السيدات النائبات مداخلاتهن و”إنشاءهن” يوم الإثنين الماضي، وأعرف أيضا أن كثيرا من الأمور تعوق وصول هاته الطاقات الفعلية والحقيقية لموقع المسؤولية الكبرى لأن المتحكم إلى اليوم في صنع اللوائح النسائية من أجل “ولوج جنة البرلمان” هو مثل المتحكم في صنع اللوائح الشبابية من أجل اقتحام نفس الجنة: يحرص الحرص الشديد على أن يكون الداخلون والداخلات من المستوى المتحكم فيه _إلا من رحم ربك طبعا من النادر القليل الذي لايعتد به_ وذلك تفاديا لمفاجآت آخر ساعة، التي لاتروق كثيرا لمن يرسمون لنا هذا المشهد المغربي الغريب.
علاقات عائلية، وعلاقات شخصية، وعلاقات مصاهرة وأخوة أو بنوة، بالإضافة إلى علاقات التحزب الظالمة، ثم بعد أن تنتهي لائحة التوافقات الكاذبة، قد تجد امرأة مناضلة حقيقية السبيل لاقتحام المكان المقدس المحصور على المحظوظات. لذلك لم نستغرب كثيرا الإنشائية التي صيغت بها بعض الكلمات يوم الإثنين، ولم نندهش كثيرا لهزالة المستوى، ولو أراد رئيس حكومتنا أن يخصص جلسة أخرى مشابهة لمناقشة أمور الشباب, وكلفت الفرق النيابية “شبابها” بالحديث لاكتشفنا الأمر ذاته، مع بعض الفوارق البسيطة التي تؤكد القاعدة ولا تنفيها.
لذلك كان الكثيرون يقولون _وهم يسمعون مداخلات النائبات المحترمات الإثنين الماضي_ إن بنكيران هو الأكثر حظا بالفعل من بين رؤساء الحكومات المغربية المتعاقبة لأن الله منحه معارضة بهذا الشكل، وبهاته الهزالة الواضحة للعيان. لعله السبب الذي يجعل رئيس حكومتنا يأتي إلى البرلمان محملا بقدر كبير من النكت والقفشات لإحساسه أن المعارضة الجالسة قبالته غير قادرة بالفعل على إزعاجه جديا، أو على تشكيل أي أداة أرق له.
الكارثة هي أن الأمر مستمر، والشعب الذي يعتبر أن هاته المعارضة لاتمثله, وهاته الحكومة لا تطمئنه، هو شعب يواصل اليوم التفرج على ما يقع، لكنه بالتأكيد سيمل هاته الجلسات، وكل القفشات المرافقة لها في يوم من الأيام، وسيبحث عن أداة تسلية أخرى أكثر قدرة على محادثته بلغة يستوعبها بالفعل. لذلك لن تنتهي حكاية العزوف عن السياسة بهاته الطبقة السياسية، بل ستزداد تفاقما. والأنكى من كل هذا أنك حين تلتقي واحدا من هاته الطبقة العجيبة يقول لك هذا الكلام على سبيل التأكيد الذي لا يقبل أي نقاش، ويعتبر أن الآخرين هم السبب في الأزمة وأنه كان من الممكن أحسن مما كان لو لم يكونوا موجودين.
المصيبة الفعلية هي أنهم “بحال بحال”، والقلة القليلة التي يرجى منها الخير مغلوبة على أمرها، واللعبة تروقهم مثلما هي جارية الآن، لأنها تصنع مصلحتهم ولا يجنون منها إلا الأرباح المتتالية.
وحده شعب المتفرجين خاسر في المسألة كلها، سواء كان شعبا مكونا من الذكور، أم كان مكونا من شقيقاتنا وأمهاتنا وبناتنا من المكتفيات هن الأخريات بالفرجة إلى أن يرفع الله عنهن كل هذا الحصار.