محمد بلقاسم.
يتعرض وزير التربية الوطنية محمد الوفا هذه الأيام لحملة مسعورة تقودها أطراف، ربما نيابة عن جهات غير معلومة هدفها الوقوف أمام عجلة الإصلاح التي دشنها الوزير منذ وطأت قدمه باب الوزارة، حيث ذهبت هذه الجهات حد مطالبته بالرحيل لأسباب لا يمكننا إلا أن نقول عنها إنها تافهة، فرغم ما يمكننا أن نسجله على الرجل من ملاحظات، سببها الرئيسي لسانه المراكشي غير المنضبط والمنفلت في بعض الأحيان إلا أننا لا يمكن أن ننكر المجهود الذي يبذله من أجل الرقي بالمدرسة الوطنية وإعادة الاعتبار للمؤسسة العمومية.
لقد امتلك هذا السياسي القادم من السلك الدبلوماسي الشجاعة الكافية لإصدار قرارات لا يمكننا إلا نثمنها لأن عمقها إصلاحي بامتياز، فكيف لا وهو من اتخذ قرارا سطر في عهد حكومة الوزير الأول الأسبق إدريس جطو لكنه بقي موقوف التنفيذ لعدم امتلاك أسلاف الوفا الشجاعة السياسية لاتخاذه، ألا وهو وقف الترخيص لأطر هيئة التدريس من أساتذة ومفتشين من العمل في إطار الساعات الإضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي.
إن قرارا مثل هذا والذي يهدف إلى إعادة الاعتبار للمؤسسة العمومية بعد تغول المؤسسات الخاصة بسبب الخدمات الجليلة التي يقدمها أطر الدولة، ليحتاج من الجميع وقفة مساندة والتغاضي ولو لمرة على المصالح الحزبية والسياسية، خدمة للمصلحة العليا للوطن في قطاع يفترض فيه غياب المزايدات السياسوية الضيقة التي أدى وطننا ثمنها غاليا.
لا يمكن لأي متتبع أن ينكر أن هذا الوزير الذي ينعته الكثيرون بالشعبوي، اتخذ قرارات تاريخية وشجاعة ستحرك الكثير من المياه الراكدة في المدرسة العمومية، فيكفي أن نذكر في هذا السياق الافتحاص المالي الشامل للبرنامج الاستعجالي قصد معرفة تنفيذ مشاريعه والذي كلف ميزانية الدولة 33 مليار درهم خلال أربع سنوات، 2009-2012، هذه العملية التي تهدف إلى تحديد المسؤوليات الإدارية والتربوية والمالية لكافة المشاركين في تنزيل هذا البرنامج، كشفت عن فشل ذريع لهذا البرنامج، إضافة إلى كل هذا قرّرت الوزارة التي يقودها هذا الرجل إلغاء العمل بالمذكرة 204 المنظمة لعملية التقويم في إطار بيداغوجيا الإدماج، وتوقيف العمل أيضا بالمذكرة 122 المتعلقة بتأمين الزمن المدرسي.
قرارات الوفا ذهبت أكثر من ذلك بهدف ترشيد أموال المغاربة التي استباحها الكثيرون، فوصلت حد تضييق الخناق على تغيبات رجال التعليم وتقليص فرص الاستفادة من الشهادات الطبية المفبركة، إضافة إلى الاقتطاع من أجور المضربين، كشرط عقابي لكل الذين اعتبرهم مخلين بواجباتهم المهنية، ومع كل هذا فإن هذه القرارات الشجاعة يرتقب أن تستمر بإعلانه خلال الأيام المقبلة عن لائحة الموظفين الأشباح في وزارته، إلى جانب الموظفين الأشباح النقابيين المستفيدين من الريع النقابي أو التفرغ.
بكلمة، إن وضعية التعليم في المغرب والتي تصنف في مراتب متأخرة مقارنة مع دول عربية وإفريقية عديدة، تتطلب منا تكثيف الجهود للخروج من عنق الزجاجة التي وضعنا فيه بسبب فشل منظومتنا التعليمية، هذه الجهود لا يمكن أن تعطي أكلها إلا إذا ابتعدنا عن المنطق الإستئصالي الخادم للأجندات، إلى منطق التوجيه والنقد البناء الذي ينتقد في حالة الأخطاء ويوجه، ويثمن في حالات الإنجاز هذه الأخيرة للأسف أصبحت غائبة على منطق تحليل من يريدون رأس الوزير الوفا.
لكل هذا قررت أن أنصب نفسي مدافعا عن وزير التربية الوطنية..