تكشف لي نتائج الانتخابات الجزئية التي سبق وجرت بطنجة ومراكش، ثم الانتخابات الأخيرة بإنزكان وشيشاوة، عن أن الاستراتيجية السياسية التي تعتمدها أحزاب المعارضة تؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية حزب العدالة والتنمية.
وتقود المقاربة الصدامية التي يعتمدها إدريس لشكر، والتخصص في المعارضة الشعبوية التي يعتمدها حميد شباط، واستمرارية العداء التقليدي الذي ينهجه حزب الأصالة والمعاصرة، إلى تقديم حزب العدالة والتنمية في صورة القوة الإصلاحية التي «يسعى الخصوم إلى إفساد تجربتها الحكومية».
وأخطر ما في اللعبة هذه الأيام، هو ذاك الانطباع الذي ينشره صناع الرأي العام، ومفاده أن صعود إدريس لشكر إلى قيادة الاتحاد الاشتراكي وحميد شباط إلى أمانة حزب الاستقلال، يندرج في سياق لعبة سياسية هدفها نسف تجربة العدالة والتنمية، وفي النتيجة تكون ردود الفعل مزيدا من التصويت لصالح الحزب الاسلامي.
في كثير من الأحيان يبدو لي أن التصويت على العدالة والتنمية لا يكون تصويتا على تقييم إيجابي لسنة من الأداء الحكومي، بقدر ما هو تصويت عقابي لأداء أحزاب المعارضة التي ما تزال حتى الآن تميل إلى العنف اللفظي والشعوبية غير البناءة التي تختزل الحكومة في حزب العدالة والتنمية.
وتكشف نتائج الانتخابات الجزئية عن أن القاعدة المشاركة في الانتخابات هي من القواعد الاجتماعية المنضبطة للحزب الإسلامي، في حين لم تستطع أحزاب الاتحاد والأصالة والمعاصرة والتجمع استقطاب شريحة جديدة من العازفين، ولم تتمكن من إقناعهم بأن الخيار الذي تم اعتماده في 25 نونبر الماضي خيار وصل إلى محدوديته وأن ثمة خيار آخر ممكن لتدبير حكومي أكثر إنتاجية.
لكن الأكثر عبرة في قراءة نسب المشاركة في الانتخابات الجزئية، هو أن الشكل الصدامي والفرجوي المبتذل الذي تمارس به السياسة منذ سنة، ومستوى الخطاب والمواقف واللغة المتداولة، تزيد من نفور المغاربة من الفعل السياسي، ما ينذر بهزة وشيكة تكون أكثر صدمة من صدمة 37 في المائة التي تم تسجيلها سنة 2007 وبالكاد وصلت إلى 45 في المائة سنة 2011
ويبدو الوقت مبكرا، ومناسبا، لإعادة تقييم أداء الفاعلين السياسيين في اللعبة الحزبية، وتقويم تجربة المتدخلين في ثنائية الحكومة والمعارضة، لأن المؤشرات تدل حتى الآن، عن أن الحماسة تزداد اندحارا في سوق سياسية بدأت تفقد الكثير من بريقها، وشرعت فرجويتها تنذر بالمأساة.