الدفعة الهامة التي أعطاها الخطاب الملكي للتاسع من مارس، فتح الباب على مصراعيه، أمام الإصلاحات الدستورية والسياسية التي نعيش فصولها اليوم، و التي تفرض العديد من الأسئلة نفسها علينا، كل من زاوية اهتمامه من لدن المهتمين والمهتمات بالشأن العام .
في هذا السياق تأتي قراءة هذه الدينامية من الزاوية النسائية اعتبارا من أن إشكالية اللامساواة والحركة المناهضة لها شكلت ولازالت لأزيد من عقدين محور اهتمام وحراك سياسي واجتماعي ساهم وبفعالية في تحريك النقاش العمومي. من بين هذه الأسئلة، سؤال علاقة معركة التغيير الديمقراطي و معركة المساواة بين النساء والرجال، هل هما معركتان مفصولتان؟ وهل المساواة ممكنة في غياب الديمقراطية؟ وهل الديمقراطية كافية لبناء المساواة؟
القضية النسائية من بين القضايا التي تتم التضحية بها للاعتقاد بأنها لا ترقى لمستوى القضايا "المصيرية"، إنها بالنسبة للديمقراطيين الحقيقيين القضية المصيرية الأولى. لسبب بسيط هو أن الحكم الشمولي يتأسس و يتغذى من تراتبية العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة، فكيف يمكن أن يسود الحكم الشمولي في ظل علاقات ديمقراطية داخل الأسرة مثلا؟
إن الحركة النسائية المغربية باعتبارها حركة سياسية تشكل قطبا أساسيا ضمن القوى الحية للبلاد، بل القطب الأكثر حيوية الذي أعطى نفسا حقيقيا للحياة السياسة لما عرفته من ركود لأزيد من عقدين من الزمن، بل شكلت ذرعا مقاوما ولازال لزحف المحافظة والرجعية بكل تلاوينها والتي ما فتئت تداهم قوى سياسية في عقر دارها كانت بالأمس عنوان الحداثة والديمقراطية.
المطالب الدستورية تتجسد في دسترة المساواة المدنية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع التنصيص على إجراءات التمييز الإيجابي من أجل إنصاف النساء وتقليص البون التاريخي بين الجنسين ومأسسة المجلس الأعلى للمساواة المبنية على النوع، فإن ذلك يبقى معزولا عن قضايا وموضوعات دستورية وثيقة الصلة بهذه المطالب والتي بدون الخوض فيها ستبقى ممارسة المطالب السابقة الذكر في عداد الاستعصاء بل ستولد بإعاقة كبيرة يسهل القضاء على الغايات منها أثناء التطبيق.
تعديل الدستور شكل فرصة تاريخية لترجمة الاختيارات التواقة لجعل المغرب بلدا ديمغرافيا و حداثيا من خلال مقتضيات دستورية مهيكلة، ترسي الضمانات و الشروط الثقيلة لترسيخ دولة الحق و القانون التي تحترم حقوق الانسان، فإن الهوة التي تكونت تاريخيا بين الجنسين في مجال التمتع بالحقوق و الحريات الانسانية لا يمكن أن تضيق و تنمحي بشكل طبيعي كما أن إقرار مبدأ المساواة بين المواطنين في الدستور، لا يؤول بشكل آلي ليشمل بوضوح الطابع الفعلي للمساواة بين الجنسين مما يقتضي التنصيص دستوريا على ضمان المساواة و عدم التمييز كحق تتمتع به النساء في مجالات الحياة الخاصة و العامة.
النساء في قلب دينامية الإصلاح الدستوري والسياسي كما عهدناهن، ففي كل الأوراش التي فتحت تآلفن في اتحادات وطنية وجهوية، إذ تشكل تحالف واسع للجمعيات النسائية والنساء الحزبيات والنقابيات والفعاليات الأكاديمية والثقافية والإبداعية، أطلق على نفسه الربيع النسائي للديمقراطية والمساواة يهدف من بين ما يهدف إليه إعداد مذكرة حول تصوره للدستور الذي تحلم به النساء التواقات إلى المساواة والديمقراطية والحرية من أجل إزاحة العوائق التي تقف أمام المواطنة الكاملة.