من الصعب جدا، على إنسان سوي، أن يستوعب الأسباب التي ساقتها فتيحة حسني الملقبة بأم آدم المجاطي لتبرير استقالتها من "اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين"، وهي لجنة دأبت، بدون مناسبة على تنظيم الوقفات الاحتجاجية، التي لم يسلم منها حتى وزير العدل والحريات نفسه، السي مصطفى الرميد، بالرغم من أنه كان من أكثر المحامين الذين تطوعوا للدفاع عمّنْ يلقبون أنفسهم بـ "المعتقلين الإسلاميين".
فقد ربطت السيدة فتيحة بين الاستقالة وما آلت إليه أوضاع هؤلاء المعتقلين كيحيى الهندي، الذي قالت إنه قطع شرايين يده، ومحمد مهيم الذي حاول شنق نفسه، وحمو حساني الذي شرب مواد سامة ...
لكن ترى ما العلاقة بين هذه الأفعال التي أقدم عليها هؤلاء الأشخاص بمحض إرادتهم كاختيار حر ومسؤول وما آلت إليه أوضاعهم؟
هل إقدام شخص على فعل (ما) داخل السجن هو مدعاة لتقديم الاستقالة أمْ أن أمّ آدام ندمت عن التفريط في الإطار القديم الذي أسسته، وكان يوفر لها المال الكثير وبالعملة الصعبة؟
وتفصح فتيحة حسني عن حقيقة اللجنة ( وشهد شاهد من أهلها)، التي لم تبن على أساس واضح، ولم تحدد أهداف مرسومة بدقة، بل خلقت "تنظيما" هدفه الاستفزاز، يراهن على دغدغة المشاعر من أجل استدرار الشفقة عن طريق الاتجار في قضية ما يسمى "المعتقلين الإسلاميين"، وكأن هؤلاء السجناء تم الرمي بهم في دهاليز المعتقلات بدون محاكمة...
"المعتقلون الإسلاميون" اقترفوا أفعالا مادية ملموسة، وخططوا للقيام بأعمال إرهابية أو حرضوا على ذلك، وشكلوا خلايا إرهابية كانت تخطط لإثارة الفتنة، فطالتهم يد القانون، وتم الاستماع إليهم في محاضر رسمية تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وأحيلوا على القضاء الذي حاكمهم علنيا وحضوريا بالمنسوب إليهم، بحضور عشرات المحامين الذين انتصبوا للدفاع عنهم، وصدرت في حقهم الأحكام.
"المعتقلون الإسلاميون" في العمق سجناء رأي عام، لكنهم يريدون أن ينتزعوا صفة " معتقل سياسي"، زُج به في السجن لإبدائه رأيا، بالرغم من أن لا رأي حقيقي لهم، وإنما وقعوا فريسة فكر القاعدة الإرهابي، الذي يريد أن يغير العالم بينما لم ينجح حاملوه حتى في تغيير أنفسهم.
أما الأسباب التي بررت بها زوجة المجاطي الاستقالة، فتؤكد، مرة أخرى، أن هذه المرأة، بحاجة إلى معالج نفسي أو طبيب مختص في الأمراض العقلية، وإلا ما معنى أن تُطالب بجثة زوجها علما أن زوجها قُتل في مواجهة مسلحة مع قوات الأمن السعودي وبالتالي ما علاقة المغرب بهذه الجثة؟ وما معنى أيضا أن تدعي أنها متزوجة من رجل يقبع داخل السجن، وتُنظم لهذا السبب وقفة أمام السجن المحلي بتيفلت احتجاجا على رفض إدارة السجن السماح لها بزيارة هذا الزوج، الذي تعترف في رسالة الاستقالة أن العلاقة بينهما غير موثقة بعقد شرعي؟.
طبعا من حق هذه السيدة أن تُعلن استقالتها من اللجنة " لوقوع مشاكل و صراعات داخل ما يسمى بالصف"، تكشف "المستوى الساقط" الذي وصلت إليه، بعدما سل رؤوس اللجنة "أقلامهم و ألسنتهم على أعراض الأسرى الحاليين و السابقين" وأصبحت الصفحة التي تم إنشاؤها للتعريف بالقضية "مرتعا للجدال و المراء و السب و الشتم و التحقير و التشهير و الهمز واللمز و الزبونية و المحسوبية"...
إنها الصورة الحقيقية للجنة نصبت نفسها للدفاع عما يسمى ب " المعتقلين الإسلامين"، لكن بعد مرور الوقت بدأ يُفضح أمرها، وأن ما تسوقه (اللجنة) من شعارات، وما تقوم به من وقفات احتجاجية هو لخدمة أجندة معينة، وللتشويش على لحظة المصالحة التاريخية والتحولات الديمقراطية التي يعيشها المغرب.
رشيد الانباري