من الخطأ أن يكون شيخ في حجم عبد السلام ياسين قد تجاوز مراحله العمرية الأولى دون أن تبقى راسخة في ذهنه وذاكرته الشعبية. فعبد السلام ياسين وكما أوردته "الأيام" عاش طفولته الأولى كباقي أطفال بداية القرن العشرين، أب أمي وأم لها نفس الخصوصية، وهما سمتان تجعل من الأشخاص غير مدركين لما يحوم حولهم، تمتد جذور عبد السلام ياسين لأسرة أيت بيهي، يرجع فضل تمدرسه إلى والده الذي أرسله إلى زاوية مدرسية علمية ليجد أمامه أحد رجالات العلم يحمل اسم محمد المختار السوسي، وهو شخصية ضاربة في عمق الثقافة العربية والإسلامية لكنها ليست متصوفة بالمعنى المعلوم.
تمكن ياسين في مراحله الدراسية الأولى من فهم ومعرفة قواعد اللغة العربية، لكن دون أن تكون له رغبة في اللغة الأجنبية. وبذلك تكون مراكش قد أثثت لمداركه المعرفية. لقد أمضى مرشد العدل والإحسان أربع سنوات في مسجد أيت يوسف بدعم من عمه وهو في سن التاسعة عشرة، وانطلاقا من مؤهلاته التعليمية تم إلحاقه بالمرحلة الثانوية التي قضى بها أربع سنوات ليلتحق بعد ذلك بمدرسة المعلمين، ليباشر مهنة التعليم بمدينة الجديدة، ومنها إلى مراكش كمحطة ثانية.
إلى ذلك ظل جانب آخر في حياة عبد السلام ياسين قليل التداول، فهو شخصية تربوية كان يجيد فن التسلية مع أصدقائه المعلمين، منطلقا للقطع بين روتين التدريس، فكان يعزف لأصدقائه ألوانا موسيقية على الكمان والبيانو، وهما آلتان موسيقيتان تعلم العزف عليهما دون الاستعانة بالآخر، بل كان ياسين أيضا ملمّا بالشطرنج إلى درجة لم يستطع أحد ما هزمه، ونظرا لحسه الموسيقي كان ياسين يحتفظ بأسطوانات في مكتبته لـ"بيتهوفن"، ليكون بذلك مرشد العدل والإحسان شخصا لا تخلو ذاكرته مما يعيشه البواقي من حالات خاصة.