الصادق بنعلال
Sadik.benallal@live.fr
بمبادرة من المملكتين المغربية و السعودية أقرت اليونسكو ( المنظمة العالمية للتربية و العلوم و الثقافة ) ، اتخاذ اليوم الثامن عشر ديسمبر / كانون الأول من كل سنة يوما عالميا للغة العربية . و نحن إذ نعبر عن اعتزازنا و فخرنا المشروع بهذه المناسبة عميقة الدلالة ، فإننا نرى أن خير خدمة نقدمها للغة الأمة العربية و الإسلامية في هكذا سياق ، هو أن ننكب على دراسة و استجلاء و استقراء المناهج و الطرق و الوسائل الكفيلة بإعادة الاعتبار إليها ، و إحلالها المكانة الرفيعة التي تليق بها. و غني عن القول إننا لسنا في حاجة إلى تدبيج قصائد الثناء و المدح في حق هذه اللغة العظيمة ، كما اننا لسنا معنيين بالدفاع الحماسي المندفع عنها ، و الوقوف في وجه أعدائها الظاهرين و المستترين . إن اللغة العربية أقدر إلى أبعد مدى على أن تواجه الأعاصير و المسلكيات المغرضة و الرخيصة ! و في المقابل كثيرة هي الندوات و المؤتمرات و التظاهرات الثقافية التي أقيمت سواء داخل الوطن العربي او خارجه ، للتنديد بالتهميش الممنهج و المكائد التي تحيط بها من كل حدب و صوب ، ندرك أن جهات أجنبية و داخل الاقطار العربية تروم تحجيم العربية و الحد من انتشارها لدواعي سياسية و اقتصادية ضيقة الأفق ، عبر عديد من المزاعم أقلها أن اللغة العربية متحجرة و منغلقة على نفسها ، و غير قابلة لمجاراة الثورة التكنولوجية و المعلوماتية الرهيبة ، و عاجزة عن احتضان مفردات العولمة و انفجار الثقافة الإلكترونية . و الواقع أن وضع العربية المأساوي مقلق و ينذر بنتائج وخيمة قد يؤدي العرب قاطبة بسببه الثمن غاليا ، إذا لم يسرعوا من أجل وضع حد لحالة التسيب و انعدام المسؤولية الذين أصبحا يسيجان راهن المعطى اللغوي عندنا . فإذا اقتصرنا على تأمل الميدان التعليمي لاستخلصنا نتيجة مؤلمة ؛ مفادها أن المتعلمين و غالبية المدرسين تعوزهم القدرة على التواصل اللغوي السليم و الفصيح شفهيا و كتابيا ، و يحتاجون إلى بذل جهود من العيار الثقيل لمعالجة هذه الإعاقة التي تؤثر على وعي الفرد و إدراكه لذاته و العالم المحيط به . تماما كما هو الشأن بالنسبة لمجال الإعلام السمعي البصري الورقي و الإلكتروني ، الذي وصل فيه الاستهتار باللغة العربية حدا لا يطاق ، حيث الأخطاء الإملائية و الصرفية و النحوية و المعجمية أضحت القاعدة ! و قد ساهمت في إضاف اللفظ العربي المبين ثلة من جمعيات المجتمع المدني / الأهلي ، الداعية إلى تجاوز "معاناة" اللغة العربية عبر الاستعانة باللغات الاجنبية و اللهجات المحلية ، بدعوى أن هناك هوة سائرة في الاتساع بين المواطن العربي و لغته الاصلية . و بعيدا عن الركون إلى فكرة المؤامرة يمكن القول إن إصلاح أعطاب لغتنا الجميلة بيد أبنائها ، و في هذا المضمار يتعين تكثيف الجهود العربية الرسمية و الشعبية ، من أجل إحداث ثورة جذرية و تغيير هيكلي في المعطى اللغوي العربي ، وغني عن الإشارة التنبيه أن رفوف المجمعات و المؤسسات العربية ذات الصلة بالموضوع المعني بالأمر حافلة بالاقتراحات و التوصيات و التقارير عالية الجودة ، و لا تنتظر سوى الأجرأة و و ترجمتها ميدانيا و تنفيذها في الواقع الملموس . إن الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية على الرغم من أهميته الرمزية ، لا يمكن أن يحمل أي قيمة مضافة من دون تخطيط استراتيجي عربي يروم إقلاعا حقيقيا و ليس مناسباتيا ، يستند إلى سياسة الدعم من اجل الإبداع و الابتكار و الإنتاج ، و تشجيع القراءة و تكريم الكتاب و المبدعين الذين خصصوا قسطا وافرا من عمرهم للكتابة و التفكير عربيا ، و تطعيم و سائل الاتصال الحديثة و بالخصوص الوسائط السمعية – البصرية بالبرامج الحوارية و الدرامية و الثقافية الراقية ب"لسان عربي مبين" . و العمل على الرفع من وتيرة أداء التعليم العربي و تجويده و جعله معمما و ملزما في التعليم العمومي و الخاص ، و إعادة النظر المستمرة في الطرق و الوسائل البيداغوجية ، و الاستعانة بالنظريات و المعطيات التربوية الكونية ، وسن قوانين تحمي اللغة العربية من المقامرين بالمصالح العليا للأمة ، و تجريم من يخوض حربا ضدها بالوكالة ! إن الرقي المنشود لا يمكن أن يتجسد خارج لغة الأمة ، و كما قال البروفسور المغربي المهدي المنجرة : (لا توجد اي دولة في العالم انطلقت في المجال التكنولوجي دون الاعتماد على اللغة الام ) .
كاتب من المغرب