عبد المطلب أعميار
أهل اليسار أدرى بشعبه.
أما بعد ،
لن يكون قلبك على رفاقنا حارسا لسيرتهم،ولا رقيبا على سريرتهم،ولا نصوحا لهم في مسلاكياتهم،ولا منبها لهم فيما تسميه "انتهازية واضحة"....لن نمنحك حق تعليمنا شروط النقد الذاتي وفوائده....لن تكون علال الفاسي لتحدثنا عن معاني النقد الذاتي وشروطه،ولا عبد الله إبراهيم لتكلمنا عن ثورة العقل وعن الجهل بمعنى التطور،ولا عبد الله كنون لتلقننا درس النبوغ المغربي،ولا الشيخ المكي الناصري لتعلمنا شروط الاصلاح..لن تكون على نهج هؤلاء ، ولا على نهج السلف الصالح الذي علمنا إعمال العقل قبل أن تغتاله السياسة المتمترسة خلف أطروحات النقل البليدة،فتكفلت منذئذ أشباه العقول بمصائر الناس حتى أضحى اغتيال الفكر عنوانا لثقافتكم التي أصبحت مسلطة على تلامذتنا وطلبتنا باسم فوائد البخور،وأهوال القبور. فأصبحت الجامعات في زمنكم تطرد المبدعين والمفكرين والسياسيين،وتخشى أن تتسلل إلى رحابها رواية لعينة،أو أغنية جميلة كتلك الأغاني التي حملت صوت فيروز،وقعبور،وسعيد،ودحبور،ومارسيل،والشيخ ،والهادي كلة،وأصوات أخرى علمت لأجيالنا حب الشعر والحياة.
إن شأن اليسار، يا أخي، يعنينا نحن طالما حيينا ، لنقيس حجم انكساراتنا ،أو إخفاقاتنا التي قد تسركم كثيرا،والتي كان لكم فيها قسط غير يسير من الحب الذي تكنونه لنا ،فحولتموه طبعا باسم الجهاد إلى تصفية الأرواح العزيزة عند الله تعالى.نحن ،على عكس ما تقول،لا نضمر عداء فطريا لأحد،لأننا نِِؤمن حقيقة بأن الطبيعة تتسع للجميع ،من الشيخ إلى الرضيع،غير أنكم تقيسون التاريخ بمنطق "التدافع" الذي تفترضون من خلاله إزاحة البشر الذي يخالفكم الرأي من على وجه الأرض.
كن مطمئنا يا عزيزي،
نحن نمارس السياسة ،ولا نتطلع أن يصبح واحد من رفاقنا وزيرا لكي يتعلم عقد ربطة العنق،أو لكي يتعلم اختيار الهندام الذي يليق بالمقامات العليا،أو لتهذيب الشارب الذي يليق بالبروتوكول الدبلوماسي وفق ما سيتفق عليه الفقهاء..، ولا نتطلع أن نصبح كتابا في دواوين الوزراء،أو مستشارين لديهم....هل تريدون منا أن نخلي لكم السبيل،لتعلنوا فينا فوز الظلام،ولتنفردوا بأبناء وبنات هذا الوطن،لتعلموهم ضوابط الفن النظيف كما تفهمونه،فتقولوا لهم أن التشكيل حرام،وأن السينما حرام ،و أن الغناء حرام ،وأن الرقص حرام،وأن الفرجة حرام،وأن الشك كفر،وأن الفلسفة الحاد ، ،وأن ولوج عالم المعرفة يتطلب التخلص فورا من تكنولوجيا الاتصال لأنها بدع حداثية من صنع النصارى.
إذا كنتم تطلبون منا تقديم نقد ذاتي عن اختياراتنا ،فلتعلنوا الانتصار على أمريكا أو على إسرائيل من دون إرادة برنشتاين الذي استضافه مؤتمركم ، ولتقدموا للشعب اعتذاركم عن سب الدولة المغربية التي قال عنها رئيس وزرائكم في محفل دولي أنها تضايق حزبكم...وهي الدولة التي استقدمت لكم الصناديق الزجاجية لتسوسوننا باسم الديمقراطية التي تلعنونها.
سنطلب من كل رفاقنا ،بمختلف أطيافهم،من الراديكالي إلى" الإصلاحي " منهم أن يمحوا من ذاكرتهم سعيدة المنبهي ، و زروال ، ودهكون ،ورحال، وبنبركة، وعمر،والرويسي،وشباضة،وايت الجيد وكل الشهداء الذين قضوا في سبيل الوطن،لكي تنعموا بالحكم ، وبفوائد الديمقراطية التي أغرقتكم فوزا حتى صرتم تحاصروننا بكل هذا الحب الذي تقذفوننا به،وتنصحوننا بالنقد الذاتي حتى ترضون عنا فنشبهكم ذات يوم، وحتى يصبح يسارنا عاديا لا يخيف أحدا. فتتفرغوا آنذاك لحكمنا على طريقتكم.