بقلم: ذ حميد خباش*
ولد السيد عبد السلام ياسين سنة 1928، وفي سنة 1948 عين معلما للغة الفرنسية بالدار البيضاء. وعندما أشعل رجال المقاومة في جميع انحاء البلاد حركة التحرير ضد المستعمر وانخرط فيها كثير من الوطنيين، كان الأستاذ منغمسا في حياته المخملية على الطريقة الأوروبية غير آبه ولا مكترث بما يحدث وكأن الأمر لا يعنيه، واستشهد واعتقل الكثير وضحى المغاربة بأموالهم وأنفسهم دفاعا عن الوطن والدين والهوية والمشروعية. والتحم في هذه المعركة الشعب والعرش في ثورة نادرة وغير مألوفة.
ومرت السنون والأعوام وخرج فيها المغاربة من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر منخرطين في الأوراش التنموية وبناء المؤسسات واستكمال الوحدة الترابية، فإذا بالشيخ ينهض من سباته وغفلته متأخرا ويجمع من حوله شرذمة من السذج البسطاء يمنيهم ويغريهم ويحرضهم، يريد زرع الفتنة والبلبلة.
وهو في ذلك يدعي أنه مرسول لهذه الأمة وأنه له من المشروعية الدينية ما يلزم الجميع بطاعته والسير في رحابه، وأذكر أنه عندما استقر في سلا حين اكترى "فيلا" من الحركي حدو أبرقاش وكان يصدر مجلة الجماعة ويقدم نفسه وارثا للمنهاج النبوي زاره وفد يمثل قيادة الجماعة الإسلامية ويتكون من عبد الله باها ويتيم وآخرين لعرض مشروع للتعاون ولم لا توحيد العمل الإسلامي. لكن المفاجأة كانت كبيرة عندما دعاهم إلى الاندماج في جماعته لأنه هو المؤهل الوحيد للقيادة والإرشاد.
ومما تجب الإشارة إليه هنا أنه خلال فترة انتمائه للطريقة البوتشيشية، أحس الشيخ العباس أن له طموحات وأطماع لتولي المشيخة بعده بدلا عن ابنه الشيخ حمزة. فبادر العباس إلى إلزامه بتوقيع تعهد بعدم منازعة أبنه.
والذي لا يعرفه الكثيرون، أن ياسين عندما نشر رسالته "الإسلام أو الطوفان" وكان محل تحقيق ومساءلة، انقطع عن العمل كمفتش للتعليم وبقي كذلك قرابة خمسة عشرة سنة، إلى أن حصل على التقاعد سنة 1988، ولكن لم ينقطع راتبه الشهري وكان يحصل على ترقياته المستحقة. وبعد بلوغه سن التقاعد عمدت الوزارة إلى تسوية وضعيته بشكل أوتوماتيكي.
وهذا من الناحية الإدارية غير مفهوم، لأن انقطاعه عن العمل كان يقتضي طرده من الوظيفة العمومية. وبقى السر غير معروف، حيث سمعت من أحد العارفين أن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله كان يشفق عليه ويوصي به خيرا.
وعلى سبيل الختم تحضرني قولة للدكتور الخطيب رحمه الله وقصتها أني قلت له يوما : إن الشيخ سيكون محرجا، فهاهي سنة 2006 قد انتهت ولم تتحقق الرؤيا بحصول قومة في بلادنا، فأجابني الخطيب: أين كان يسكن الشيخ قبل الرؤيا؟ قلت: في حي السلام بسلا، فسألني: والآن؟ أجبته: في حي السويسي بالرباط، في منزل كبير تفوق مساحته ألفي متر، فقال لي: لقد صدقت رؤيا الشيخ. فقد كان يتحدث عن قومته هو ولكن الناس لا يعلمون.
*صحفي وباحث في تاريخ المقاومة وجيش التحرير