محمادي المغراوي
بوفاة عبد السلام ياسين ، تفقد جماعة "العدل والإحسان" مرشدها الذي كان له كبير الأثر والتأثير على توجهاتها واختياراتها ومواقفها.
ولم يكن من الممكن لأي رأي ـ مخالف بالطبع للشيخ - أن يخرج عن السياسة المرسومة من طرف المرشد، وإِنْ كان يُتْرَكُ، بين الفينة والأخرى، لكريمته نادية وزوجها عبد الله الشيباني ، مساحة شاسعة للتعبير عن مواقف معينة تقول الجماعة أنها لا تعبِّر عنها بقدر ما تعبر عن أصحابها، وذلك في خضم الصراع المستمر مع الدولة المغربية..
لقد كان من شأن السماح أو غض الطرف عن خرجات بعض أعضاء الجماعة، خاصة في الأيام الأخيرة التي كان فيها الشيخ طريح الفراش، أن جعلت البعض يرى فيها تعبيرات عن ملامح المرحلة المقبلة ما بعد عبد السلام ياسين، وهناك من ذهب إلى اعتبار هذه المواقف دليل صراع ما بين أعضاء الجماعة وأجنحتها .
وكيفما كان الأمر، فمع وفاة أي زعيم تنظيم أو جماعة تطرح قضية الخلافة، والأسماء المرشحة أو المحتملة للقيادة أو الزعامة .
وبما أن المرحوم الشيخ ياسين ظل هو المرشد والمرجع الأعلى للجماعة منذ عدة عقود، بسط خلالها نفوذه، وفرض شخصيته ، وكان ظله مهيمنا على الجميع، فقد كان من الصعب على أي صوت أن يعلو فوق صوته تحت طائلة أن يُوصَف ب "العيب" أو "العار" ؛ وقد يُنْبَذ من طرف الجماعة إذا رأت فيه خطرا محتملا يحذق بها .
لكن التساؤل يبقى، مع ذلك، مطروحا في مثل هذه الحالات: من يخلف الشيخ المرشد الراحل ؟ هل كريمته ؟ أم زوجها؟ أم اسم من الأسماء المعروفة - وربما غير المعروفة بما فيه الكفاية - في الجماعة؟ من بين هذه الأسماء ابنته نادية التي ميزت نفسها بخرجات من أجل إثارة الانتباه إلى شخصها.
بعد نادية ، هناك بعلها عبد الله الشيباني الذي بحث في آخر أيام الشيخ المرحوم عن أسباب التألق، فوجدها فيما سُمِّيَ برسالة النصح ل"الأخ" عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، فكانت رسالة مفتوحة بهدف، من جهة، تمكين شريحة واسعة من الرأي العام قصد الاطلاع عليها، و لإحراج "الأخ" بنكيران من جهة ثانية . وما ردود الأفعال التي أثارتها إلا دليل على هذا القصد.
هناك أسماء كمحمد عبادي وعبد الواحد المتوكل وفتح الله أرسلان ....
إذن، توجد الآن "جماعة العدل والإحسان" عند مفترق طرق يفرض اختيار السبيل القويم، والنهج المطلوب . ولا شك أن أصواتا ستتعالى، من داخل الجماعة وأطرافها؛ منها من ستدعو إلى التشبّث بنهج الراحل عبدالسلام ياسين، ومنها من ستنادي بضرورة التغيير والانفتاح على الذات وعلى المحيط، فالجماعة لا تعيش في كوكب آخر.
بما أن مصير الجماعة في الأرض، فإن وضعها لا يختلف كثيرا عن وضع الزاوية، ومن المنتظر أن تطفو على السطح مطامع ومطامح ومصالح عدد غير قليل من الأتباع والمريدين، حيث أنه بمجرد أن يلتحق شيخها بالرفيق الأعلى حتى تظهر الاختلافات على السطح نتيجة تضارب المصالح حول الممتلكات. ومعلوم أن لجماعة " العدل والإحسان " ممتلكات كثيرة هنا وهناك، وينبغي الحسم فيها إن عاجلا أم آجلا بين المدعين من الأسماء المعروفة وغير المعروفة، وكل طرف منها سيطالب بما يعتبره "حقه المشروع " من تركة الزاوية.
إن الحديث عن الزاوية يقودنا إلى الحديث عن طبيعتها . ومهما تكن النظرة التي ينظر بها إلى " العدل والإحسان " وتحميلها ربما، أكثر من حجمها، ينبغي القول أن سمة التصوف كانت هي السائدة، حيث أن الراحل ياسين كان يحلو له الانصراف إلى غيبوباته الطويلة التي يجد فيها الملاذ والملجأ من هموم الدنيا، ومن غير المستبعد أن تكون هذه الغيبوبات وراء أحلامه المثيرة التي لم يتردد في البوح بها بخصوص التغيير المنتظر في البلاد .
وسواء تعلق الأمر بالجماعة أو الزاوية، فهناك أتباع ومريدون ينتظرون توزيع التركة عليهم، والخوف كل الخوف أن تكون القسمة ضيزى.
هناك شيء آخر مهم، يتمثل في الفضائح التي هزت وتهز الجماعة، كثير منها ذو طبيعة أخلاقية، أبطالها ينتمون لها، وصل بعضها إلى الصحافة وبعضها إلى المحاكم، وحوكم من حوكم.. وقد كانت هذه الفضائح وراء سقوط القناع الكبير الذي كان يخفي وراءه الكثير من التصرفات والسلوكات المشينة .
هذا الوضع غير المريح هو الذي دفع عددا من " أشبال " الجماعة إلى إعلان تبرمهم وامتعاضهم مما يحدث داخل جماعة – دينية تصوفية - كان من المفترض أن تكون محصنة عن مثل هذه النوازل. ولم يتردد هؤلاء " الأشبال" في تسفيه الدرك الذي وصلت إليه. ومن المنتظر أن يكون ل" أشبال " العدل والإحسان دور وكلمة في تغيير ما بداخل قلعة الشيخ .