من خلال متابعتنا لبعض التحليلات و التعليقات التي أعقبت التقرير الشفوي الذي وجهه المبعوث الأممي للصحراء المغربية كريستوفر روس ،نرى أنها مطبوعة بالتجزيء حسب زاوية رؤية غير شاملة إذ أن هذه التعليقات ترى أن روس قد وضع حدا لسلسلة المفاوضات غير الرسمية بين البوليساريو و المغرب. لكن حين نقرأ بتمعن هذا التقرير تجد المبعوث الأممي يعلن أن من بين أهدافه البحث عن طرق جديدة لتعديل العملية التفاوضية و تعزيز آفاق التقدم في مسارها،أي أن مهمته كوسيط سلام تتجه نحو البحث الحثيث عن كل ما يعزز التقريب بين وجهات النظر.وعندما يصف مجلس الأمن الدولي المقترح المغربي بخصوص الحكم الذاتي الموسع بالجدي وذي المصداقية فهذا يعني أن الأفكار التي من الممكن أن تكون متكئا لعملية المفاوضات التي سيجريها مستقبلا كريستوفر روس لابد من طرحها بناءا على معطيات واقعية و عملية بدل الاقتيات على فرضيات أصبحت متجاوزة تاريخا و سياسيا.
من خلال الانطباعات التي كونها المبعوث الأممي عن زيارته للمنطقة و لقائه مع المتدخلين في هذا الملف الشائك يؤكد على أنه لمس كل معاني الالتزام من طرف المسؤولين الكبار في هذه الدول على العمل مع الأمم المتحدة لإخراج سياسي للوضع النهائي في الصحراء المغربية رغم أن كل طرف متمسك بمقترحه الخاص في التسوية النهائية، و تعليقنا هو على الموقف الملفت للجزائر التي تدعي حيادها إذ يذكر روس أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يقول بأن الجزائر ليست ولن تكون أبدا طرفا في الصراع وهي على استعداد لمساعدة الطرفين في بحثهم عن حل سلمي و دائم ،لكن الجزائر ترى أن أي تسوية لا تتضمن استفتاءا حقيقيا ليست تسوية على الإطلاق إذن يمكن فهم مساعدة الجزائر في إطار تدخل سافر و تغطية لوجيستية للبوليساريو و اقتراحها المتجاوز بالاستفتاء. و من ثم فتشبث المغرب بمقترح الحكم الذاتي يشاطره فيه الدول الكبرى المهتمة بالملف و تماشيا مع التاريخ و القانون الداعمة للشرعية،عكس الأطراف الأخرى التي تدعي حقا غير أصيل و غير واقعي و يحمل في طياته تعديا على التاريخ و أواصر القرابة.
من خلال بحث روس عن الأسباب التي أدت إلى الجمود في المفاوضات بين الأطراف يضع كل المتدخلين على مسافة واحدة في العرقلة،و هذا لا ينطبق على المملكة المغربية إذ غالبا ما كانت تتعاطى مع الموقف التفاوضي بجدية و وضوح رؤية و تناغما مع حقها التاريخي، و كان أيضا تعاملها مع الأمم المتحدة يطبعه الاحترام الكامل و التفاني في الالتزام بقيم العدالة و السلام، و تماشيا مع وضعه كوسيط فقد أرسل رسالته إلى المعنيين بالأمر بأنه لا يمكنه أن يدافع عن اقتراح محدد و هنا يرجع إلى مهمته الأصلية كوسيط محايد و هذا مسعى حميد.
فيما يخص التطلع إلى أفضل السبل للمضي قدما و من اجل إعطاء مصداقية للعملية التفاوضية في إطار التحضير لعقد جلسات أخرى سواء رسمية أو غير رسمية يؤكد روس بأنه سيقوم بالمزيد من المشاورات مع القوى الدولية الرئيسية تليها فترة من الدبلوماسية المكوكية الهادئة مع المغرب و البوليساريو و الجزائر و موريتانيا الني تؤكد على حيادها الايجابي، مع إشارة المسؤولين الذين تشاور معهم على هذا المسعى إلى أن تكون بعض الاجتماعات دورية من اجل استمرارية العملية و الحفاظ على مستوى الاتصال.
بالعودة إلى الجيوسياسي الذي يحيط بملف الصحراء و تحدياته لمستوى الحلول و الاقتراحات تأتي المخاطر التي من الممكن أن تصدرها التوترات الموجودة بمنطقة الساحل، نجد أن تقرير كريستوفر روس يشير إلى أن هذه المخاطر من الممكن أن تسرع في إيجاد حلول خلاقة. و نشير في هذا السياق إلى أن خطاب الملك محمد السادس في ذكرى المسيرة الخضراء قد ألح على فتح الحدود بين الجارين و إعطاء نفس قوي للاتحاد المغاربي، و على نفس الطريق نرى في الاتجاه المناقض أن وزير الداخلية الجزائري، دحو ولد قابلية يصرح بان"الجزائر لا تتمنى تدخلا عسكريا في شمالي مالي والأولوية بالنسبة لبلدنا هو إيجاد حل سياسي لإنهاء مشكلة وحدة أراضي مالي بصفة نهائية"،و يزيد قائلا أنه "يجب على طوارق شمال مالي العدول عن فكرة الإنفصال والجزائر تعمل على ذلك".من هنا يمكن حث الجزائر على تطوير نفس الفهم في اتجاه علاقاتها مع الفكر الانفصالي المسيطر على قرار البوليساريو بدل العمل تجييش الانفعالات السلبية و غير الفعالة من أجل الاحتواء السياسي لهذا الملف.
بخصوص المفوضية السامية للاجئين فروس ينوه بها في توسيع خطوات فعالة من اجل بناء الثقة متمثلة في الحلقات الدراسية، والزيارات العائلية في المناسبات الخاصة ،و هذه صياغة لفكرة قد قالها المغرب سابقا و ألح عليها دائما من أجل لَمِّ الشمل بين العائلات المغربية التي تسكن في الأقاليم الجنوبية فعلى العموم الكل يستظل بسماء مغربية.أما مجال حقوق الإنسان و تماشيا مع مهمة كريستوفر روس فهو يخرجها من دائرة اهتمامه لأنها إشكالية حارقة لمساعيه التفاوضية، خصوصا عندما تكون المعلومات مشوشة و تصب في خانة اللعب على معطى كوني لتسجيل أهداف سياسية في مرمى المغرب و استغلال ملف حقوق الإنسان لتكبيل سيادته على أرضه التي يديرها بشكل عملي.
يذكر كريستوفر روس بمهمة أخرى غير رسمية متمثلة في تشجيعه لتطبيع العلاقات بين الجزائر والمغرب و قد أبدت قيادة البلدين على الذهاب في هذا الطريق بتبادل الزيارات على مستوى الوزراء و تحديد الملفات ذات الطابع المستعجل من أجل المعالجة،و غير بعيد عن العلاقات بين بلدان المنطقة نرى أن اتحاد المغرب العربي قد كان في مجال تقرير روس و ذلك لما له من تأثير كبير في حسم مشكل الصحراء المغربية باعتبار الاتحاد يمثل الغراء الذي يجمع الدول كاملة مع بعضها. و نرى أن المبعوث الاممي يستعمل "لكن" كاستدراك حول موقف الجزائر من عقد القمة تحت ذريعة الإعداد الجيد لضمان النجاح و لقد أجلت القمة سنوات طويلة تحت مبررات عديدة من طرف الجزائر و نحن نقول لها ألا تخاف من حلم الاتحاد فدائما ما كان الحلم عاملا فعالا في اختراع أفكار و تجربة آفاق جديدة فاصغر بذرة تستطيع أن تنمو و اصغر فكرة من الممكن أن تغير كل شيء.
*باحث في شؤون الشرق الأوسط و شمال إفريقيا
المملكة المغربية