إذا فهمت جيدا غضبة عبد الإله بنكيران يوم الجمعة الفارط في الغرفة الثانية، فإن النسخة المغربية من الحزب الوطني المصري هو حزب الأصالة والمعاصرة، والنسخة المحلية من الإخوان المسلمين هو حزب العدالة والتنمية، والنسخة الوطنية من ثورة الخامس والعشرين من يناير هي الانتخابات التي أتت بالبيجدي إلى الحكومة لقيادة هذا التحالف الغريب الذي يهدده حميد شباط كل يوم منذ أن أصبح خليفة لعلال الفاسي وامحمد بوستة وبقية الهامات الكبرى على رأس حزب الاستقلال.
أعترف أنني أحسست بقلق شديد على البلد وأنا أنتبه لهذه المعطيات بعد أن سمعت بنكيران والمستشارين يتبادلون فيما بينهم “ضريب الطر”، وشعرت، ربما أكثر بكثير مما كنت أشعر أيام 20 فبراير ومظاهراتها، أن الوطن هش إلى درجة مرعبة حقا.
الفلول لازالوا معنا، الحزب الوطني الحاكم لا زال معنا، الإخوان أيضا لازالوا يحمون ثورتهم أو مثلما قال بنكيران يوم الجمعة “راكم شفتو السي مرسي شنو دار”، والسؤال الذي يطرح نفسه في كل هذ النقاش الغريب “ومبارك وأنجاله علاء وجمال والسيدة حرمه سوزان أم العيال؟ من هم حسب رئيس الحكومة المحترم؟”
في لعبة مثل اللعبة من اللازم التسلح بالجرأة والشجاعة حتى الختام، أما الاستقواء على إدريس الراضي أو حكيم بنشماش لوحدهما في غرفة ثانية لا معنى لها، وفي ليلة مبتلة وماطرة مثل ليلة الجمعة قبل الذهاب إلى فندق بالرباط لتسليم من شاركوا في مسابقة الصحافة المضحكة جوائزهم الأكثر إضحاكا ففي الأمر فعلا بعض الحيرة، وقليل الغموض، وشيء كثير من عدم الفهم لا نقبله وقد أصبحنا مثلما قال عنا بنكيران “ما كنخافوش بعد الربيع العربي”.
ماكنخافوش، ماكنخافوش، الله يخلي غير الصحة والسلامة، لذلك نطلبها من رئيس حكومتنا: أن يشرح لنا السبب الذي يجعله كل مرة يشهر الحالة المصرية في وجوهنا هو الذي كان يقول للجميع قبل 20 فبراير وأثناءها وبعدها إن “المغرب لا يشبه من وما عداه، وأنه الاستثناء الذي لا استثناء بعده ولا قبله”؟
اليوم نسمع “راكم كتشوفو شنو واقع فمصر”، فنتلمس في الجوانب منا مكان الخلل ومكمنه. نحاول أن نفهم إن كنا استثناء مثلما أقنعونا بذلك أم أننا نحن أيضا أنجزنا ثورتنا التي ركب عليها الإخوان وسرقوها، أم أن الثورة لازالت مفتوحة مثلما قال مرسي منذ أيام، مثل الأبواب المفتوحة التي تنظم في عديد المجالات والتي تترك المشاركين فيها حائرين يتساءلون عن الأبواب وعمن فتحها، وعن الممرات التي يمكن أن يؤدي إليها كل هذا الفتح المبين.
المستشارون من جهتهم، الله يهديهم وصافي. لعبتهم مع بنكيران سمجة للغاية، وكلما دلف إلى الغرفة الثانية كان المغاربة متأكدين مليون في المائة أن الطرح لن يمر بسلام. وأحيانا عندما نرى من يتحدث صارخا في وجه رئيس الحكومة نشعر بالأسى على أنفسنا قبل الشعور به على أي شيء آخر.
نقول إنه كان من الممكن أن نستحق ما هو أفضل من هاته “التعازيلة”، وأن الحياة كانت قاسية أكثر من الحد المسموح به على الشعب المغربي، وهي تمنحه أمثال هؤلاء الساسة، وتمنحهم الصفاقة اللازمة، وكثيرا من الوقاحة التي يطلق عليها شعبنا الجبهة أو السنطيحة لكي يدعوا أنهم يمثلون مصالح الشعب المغربي المنكوب والمسكين.
بعضهم مشهور عنه الفساد والإفساد حتى أخمص القدمين، وبعضهم يعرف العادي والبادي كيف وصل إلى القبة، وبعض ثالث لا وصف له ولا طعم ولا رائحة، وبعض آخر دخل الميدان بكثيرمن النيات الحسنة التي تقود إلى جهنم مباشرة لأن النية الحسنة لا تكفي مع أغلبية هذا الرهط من الناس.
الغرفة الثانية، يوم ابتدعها الراحل الحسن الثاني في تخريجة قانونية حولها كثير الكلام، كانت المتنفس المفترض للتشريع المغربي لكي يمارس حياة نيابية أخرى أكثر غنى من تلك التي كانت تمارس في المجلس الأول الذي وصفه الحسن الثاني نفسه ب”السيرك” في يوم من الأيام.
ولا أحد يدري اليوم بماذا كان سيصف الحسن الثاني، رحمة الله عليه، ما يقع بين بنكيران والمستشارين لو كان على قيد الحياة؟
كلمة السيرك ستكون غير قادرة على الوصف الكامل والأمين، وكلمات أخرى غيرها لا يمكننا استعمالها وإلا لقال لنا بيد الله إننا لا نحترم مجلسه الموقر، وهذه لا قبل لنا بها.
في المحصلة الختامية يردد شعبنا هاته الأيام بوتيرة مبالغ فيها المأثور الشهير “كما تكونون يول عليكم”، ويقول لنفسه إنه لا يستحق أفضل من هؤلاء السياسيين، ولا أفضل من هاته السياسة.
نحن جميعا كمغاربة نصارح أنفسنا بها اليوم: لو كنا شعبا جيدا بالفعل، لكان لدينا سياسيون جيدون بكل تأكيد.