بدأت الشعوب العربية، التي لم ينبت ربيعها "الديمقراطي" إلا اللحى تستعيد الوعي، بعد أن غرتها الأماني والوعود التي وزعها الإخوان المسلمون في مصر وحزب النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب.
في مصر اضطر الرئيس محمد مرسي "المنتخب" إلى سحب الإعلان الدستوري، الذي منح بمقتضاه لنفسه سلطات مطلقة، لم يمنحها حتى الرئيس السابق حسني مبارك لنفسه، وامتثل صاغرا لإرادة الشارع والقوى الحريصة على الديمقراطية أكثر من إقامة دولة الخلافة.
وفي تونس تحولت "مليشيات" السلفيين إلى عصابات تنهب وتخرب، وتهاجم كل مظاهر الحضارة والتحديث، إلى أن أصابت النشاط السياحي عُصب الاقتصاد في مقتل.
وفي المغرب، انقشعت الغشاوة عن أعين الذين اعتقدوا أن "المصباح" سينير لهم الطريق، فإذا به يعجز عن توفير الإضاءة الكافية حتى لنفسه، وبدا الطريق أكثر ظلاما من أي وقت مضى، ذلك أن الحكومة لم تفتح أوراشا للإصلاح وإنما اختارت أن تفتح جبهات للمواجهة ضد "لاكريمات"، وضد "المهرجانات" وضد " الجمعيات"، وضد "الإعلام" الذي سعت إلى تطويقه بقيود الدين والأخلاق، وتجنيده لخدمة "أجندة" الحزب الذي يريد أن يكون وحيدا، ناسيا أنه يقود ائتلافا حكوميا يتشكل من أربعة أحزاب، تجر اليوم تلابيب بعضها البعض جرا، بعد أن دخلت في مواجهات تلهيها ـ كثيرا ـ عن تدبير الشأن العام.
هذه هي الصورة، وإن كانت تختلف من بلد إلى آخر، صعود لأحزاب الإسلام السياسي، التي تحاول الالتفاف على مسار طويل من النضال من أجل قيم الحداثة، والعودة أدراجا إلى الأزمنة الغابرة... أزمنة السلف "الصالح"، لكن الشعوب التي ربت الكثير من المناعة لا يمكن أن تنال من صحتها نزلة برد أو حتى الإصابة بأنفلونزا الخنازير، مادامت تمتلك الأجسام المضادة الكافية لاستعادة الصحة والعافية.