أضيف في 09 دجنبر 2012 الساعة 03 : 15
سبب الورود:
في معنى القيم الكونية ؛من حيث هي سلوك، ثم سلوك، ثم سلوك:. الأستاذ مصطفى بنحمزة: لن أوفه حقه في سطور؛ولن ينتقص الأستاذ عصيد من قدره في سطور.لست من تلامذته ,أو حتى من المتعصبين لفكره حتى أُتهم بنصرة للرجل مغرضة.أعرفه –بدءا- منارة علمية أنارت الطريق للكثيرين من رجال التعليم الابتدائي؛حينما شاع في الجهة الشرقية-منذ أوائل السبعينيات- طموح نيل شهادة البكالوريا ،لمواصلة مسار تعليمي جامعي حالت دونه ظروف شتى.
كما سار هو نفسه على درب النجاح؛لم يبخل على أحد ،من مُجايليه، بالنصح ،ولا بالدرس.بل هي دروس متناسلة ترقى مراقيها ،وصولا الى التأطير الجامعي لعدد من المعلمين ؛الدكاترة ،بدورهم، في ما بعد. ولا أتحدث طبعا عن الطلبة الطلبة ؛فهذا يدخل في إطار واجباته المهنية. ومرة أخرى- ومع الأسف- لا أدين له بشيء مما ذكرت لأنني غادرت وجدة ؛ولما يَسطعْ نجم الرجل عالما مؤطرا.
ثم تتبعت أخباره، منذ سبعينيات القرن الماضي ,وهو يؤسس لخطاب ديني متفتح ؛منتقلا من مجرد الوعظ إلى الفعل الاجتماعي المدني ؛حتى قبل أن تتبلور فكرة المجتمع المدني ،بناء على ضرورات اقتضاها تحول الدولة إلى الانفتاح على المواطنين في تدبير الشأن العام. تجلى هذا الفعل في إستراتيجية حمزوية ،أصيلة له,ذات اشتغالات متعددة ؛لكنها متكاملة: بلورة خطاب ديني تجديدي ،في ارتباط وثيق بمرجعيته المغربية الرسمية؛ثم تكوين الأطر التي تخدم فعلا هذا الخطاب ,جامعيا ،في شعبة الدراسات الإسلامية,ووعظيا في ما يخص تأطير المساجد،بحواضر الجهة الشرقية وبواديها.
كل هذا دون إغفال البنية التحتية التي تقتضيها ممارسة الشأن الديني.وهذا ما يفسر أن تُنعت اليوم حاضرة وجدة بمدينة المساجد؛حينما تنعت أخريات بحواضر اللقالق ،الزهور، حب الملوك؛وفي كل خير لكن خير المسجد مستغرق و أعم. حينما كان الرجل يُواجَه بكونه بناءَ مساجد ،ليس إلا، كان يرد:هاتوا انجازاتكم في ما تفضلونه على المساجد. أو بنينا المساجد ،فدونكم والمصانع.
هذا المسار المعماري الرديف للعلمي لم تُزرع الورود في طريقه ،دائما ،إذ واجه بدوره سنين رصاص عرف كيف يستفيد منها لحشد السند الشعبي لمشاريعه ،حتى يقتنع المعترض ثم عرفتُه وهو بإسهام كبير في أعمال اجتماعية واحسانية ،يذكرها الوجديون ضمن أفضاله. ولا أعتقد أنه خيب ظن كل من قصده-جمعيات وأفرادا- بحثا عن السند والدعم لتنظيم نشاط ثقافي أو تربوي.
وقبل أن أتمم هذه اللوحة ،التي اعتقدها موضوعية- وما كنت منافقا أبدا-لا بد من الإشارة الى أنني لست من المترددين عليه ؛لا في المجلس العلمي ؛ولا في دروسه الأسبوعية في مساجد المدينة.لكن لا بد من الإشارة إلى أن أخبار بنحمزة ,في حاضرة وجدة، تصل الى أسماعك حيثما يدور الحديث حول رجالاتها الذين خدموها بكل التفاني والإخلاص؛لوجه الله . وخير دليل هو رفض العالم للوزارة ،إذ عرضت عليه، مُفضلا عليها رسالة العالم ؛حينما يقطع وعدا على نفسه ألا يجلس أبدا. كم تعرفون من رافض للوزارة في المغرب؟ ولم أسمع قط من يؤاخذ الرجل على سلوك لفظي مشين ،أو هجوم على معترض ،أو غمز ولمز في حق هذا أو ذاك.بل أُوذي بكيفية لفظية مباشرة ؛ولم يرد على السيئة بمثلها.
والآن سؤال القيم:
من البدهي القول إن القيم لا تشتغل لذاتها ؛فلا يمكن ،مثلا، أن نعي قيمة الخير حق الوعي إذا لم تنتج سلوكا خيرا . قل مثل هذا في العدل ،العمل،البر بالوالدين...يمكن أن نَنْظم القصائد الطوال في مدح هذه القيم لكن نظمنا سيقع دون فعل عادل ،وفعل بار بالوالدين ،وممارسة فعلية للعمل. بناء على هذا لا يفيد في شيء مدح القيم الكونية ،والظهور بمظهر المتعصب لها ؛إذا لم تظهر في السلوك. إن أحسن درس ,في قيمة الخير،هو أن تكون خَيِّرا.وقل مثل هذا في سائر القيم المعتبرة فاضلة. أتساءل الآن هل الأستاذ بنحمزة يمتح،في أداء رسالته ، من قيم كونية ,مشتركة بين كل الأمم ؛أم من قيم إسلامية فقط؟ وهل مثل هذا السؤال ضروري،أصلا، ونحن نقف في سلوك هذا العالم على أفضال كثيرة ؛نلمسها واقعا يشهد به المجتمع الوجدي قاطبة؛إلا من يؤولها وفق فهمه؟
لو نسبنا هذه القيم للكونية لكنا صادقين ؛ولو نسبناها للدين الإسلامي لصدقنا أيضا. وكل قارئ منصف لفكر الأستاذ بنحمزة لا يمكن أن يُصنفه ضمن تلاميذ ما يسميه الأستاذ عصيد بالفقه الميت. كما لا يمكن أن ينسبه للفقه الحي فقط ؛الذي يعترف عصيد نفسه بوجوده – مقابلا للميت-اذا اعتمدنا مفهوم المخالفة كما يُطبقه الأصوليون في استنباط الأحكام.
ولا يمكن أن يُقصيه من الانتماء للفكر الكوني. كتابات الرجل متعددة ويمكن دائما الرجوع إليها.
أُنهي الحديث عن جاري في وجدة بالقول:
انه عالم عرف كيف يبلور ,وينفذ إستراتيجية متكاملة للارتقاء بالمجتمع، في مناحي متعددة أهمها المنحى العقدي. مهما يكن رأيه في القيم الكونية ،وحقوق الإنسان العالمية، فانه وُفق في جعل عمله دالا على قيمه ،وقيمه دالة على عمله.
الأستاذ أحمد عصيد:
هو جاري في هسبريس ،وفي مواقع أخرى. لا أعرف هل يقرأ لي ؛أما في ما يخصني فلا يمكن أن تفوتني قراءة مقالاته كلها،إضافة إلى تعليقات القراء عليها؛باعتبار اهتمامي بالشأن الثقافي الأمازيغي.
أجده صاحب قضية يعض عليها بالنواجذ؛ورغم أمازيغيتي, منشأ وليس أصلا، لا أتفق مع الكثير من أطروحاته ،سواء عبر عنها هو أو مشايعوه.أجده بقد رما يسعى لجعل الدولة تنصف الأمازيغية ؛وقد فعلت على مستوى المتن الدستوري؛بقد رما يسعى لمنع غير الناطقين بها (الأميين الجدد في نظره) من الاستفادة من نصوصها ،الحديثة التراكم. أجد تعصبه للحرف الذي تم احياؤه بعد موت، لا مبرر له؛حاليا على الأقل. في نظري يسمو التثاقف على مسألة الحرف.ما هو مطلوب حاليا هو إزالة الحاجز النفسي؛ولو عبر مرحلة انتقالية نُيسر فيها كتابة الأمازيغية بالكيفية التي تفضلها كل جهة.ولا بأس من المزاوجة.
بعد تحقق التراكم المطلوب،على مستوى الإنتاج الثقافي ستُحسم مسألة الحرف تلقائيا.ان اللغة ,أي لغة،تغريك بمضامينها؛قبل بنيتها.هذا ما يفسر ريادة اللغة الانجليزية كونيا. كم أتمنى –مثلا- أن أقرأ للفلاسفة الألمان في لغتهم.
لا أعرف للسيد عصيد غير هذه القضية؛وما يتطرق له من دفاع جيد عن الحداثة والعلمانية،والقيم الكونية يعتبر رديفا وخادما لقضيته الأصلية. عدا هذا لا أستطيع أن أنافق بالقول إن السيد عصيد يدفع بالتي هي أحسن في ردوده. بقد رما أجد حِجاجه مُؤسسا ومنطقيا ؛في الكثير من مقالاته ,أجده هجوميا ،أحيانا،مهما تكن مكانة من يوجه إليه الخطاب .مرة أخرى أقول إن كتابات الرجل متوفرة في الشبكة ويمكن دائما الرجوع إليها للتصديق أو التكذيب.
لا أدري هل تَعصبه –وهو يهاجم تعصب غيره،خصوصا السلفيين- طبع فيه ؟أم شِدة حضور القضية في حياته الفكرية جعله كثير الحساسية لكل من يرى غير ما يراه.؟ لا أخفي القراء أنني كلما قرأت لعصيد وغيره من النخبة الأمازيغية؛ومنهم أصدقاء ومعارف، أستحضر تقسيمات "المايسترو" موحى ولحسين.؛وأجده دائما أبلغ من الجميع في إقناع الداخل والخارج بأن النبع الفني الأمازيغي غزير و لا ينضب. يُقنع دون أن يكون في نيته أن يُقنع بشيء ما.لعله لا يعرف لا الحرف العربي ولا الأمازيغي.
سؤال القيم:
في مخاطبته للأستاذ بنحمزة بدأ عصيد مُنبها ،وكأنه يخاطب أحد تلامذته،أو أبنائه.هل هذا جهل ببلاغة الخطاب؟ لا أعتقد اذ كتاباته تنم عن أفق علمي واسع. هل هو جهل بمستوى العالم المخاطَب؟ مرة أخرى لا ؛ولو كان كذلك لما وجه إليه خطابا ؛إذ عصيد معروف بتجاهل الكثير من منتقديه .انه يرد على الكبار فقط.
هل في الأمر تبخيس ما؟ لا أعتقد اذ لا مُشترك ،مباشر،بين الرجلين، يكون مَظَنة للشقاق.فلكل مجاله وتخصصه. وكيفما كانت المرجعية القيمية التي يَمْتح منها عصيد في كراهيته للاختلاف ،وفي اختيار اللفظ الجارح فإنها مرجعية عقيمة. لا طائل من مدح قيم كونية ،ونحن نعتمد في لفظنا قِيما لا تَقبل حتى في حاراتنا.
إن الظرف المشدد بالنسبة للخطاب "العصيدي" هو كونه خطابا مقروءا من طرف الشريحة الواسعة؛خصوصا شباب الأمازيغ.ومن هنا أتساءل :هل يرضى عصيد بتلامذة يقلدونه في إساءة الأدب مع العلماء،وكبار السن؟ هل هذا ما تبشر به الثقافة الأمازيغية؟ لا أظن فعصيد يعرف الشحنة الخلقية في كامتي"أمغار"أو "أمقران"
وما حكاية "الفقه الميت"؟ هل تعتقد فعلا في وجود نص ميت؛فقها كان أم فلسفة أم شعرا.....؟ لا يوجد نص ميت إطلاقا.بل لا وجود لنص الا وهو يتناص مع غيره.الدرجة الصفر للكتابة غير موجودة. تقول بفقه ميت وترفض أن توصف تفناغ بالأبجدية الحجرية الميتة؛رغم كل الصخور التي هبت الدولة لحمايتها. لقد خانك اللفظ وأنت تريد الحديث عن فقه ما بعد الاجتهاد؛عن فقهاء عصور الانحطاط ؛وقد كان شاملا وغير فقهي فقط؛لأسباب لا يتسع لها هذا الحيز. حتى ما قد يبدو لك ميتا في الفقه المعلوم ليس كذلك على الاطلاق.انه يقرأ قراءات متعددة؛وكلها منتجة. لا يهم رأيك في الفقه ؛لكن لِمَ تُدرج الأستاذ بنحمزة ضمن جمود هذا العصر ؛وبين يديك كتاباته وكلها تجديدية اجتهادية؟ مهما يكن مصدر القيمة التي جعلتك جارحا في حكمك هذا فهي قيمة تؤسس للعصبية وليس للدولة أو الحضارة.ولا أعتقد أن القيم الكونية تشتغل لإحياء العصبية. تحياتي للجارين ؛ولكل من يهدي كلمة طيبة وان اعترضت.
رمضان مصباح الإدريسي
Ramdane3@gmail.com
|