تغيب الاحصائيات الدقيقة مفسحة المجال أمام الروايات لتحديد مدى إقبال بعض الشباب على عالم الشعوذة الذي لم تفلح مظاهر التطور والتقدم من تغييبه عن الممارسات اليومية داخل المغرب. أنكر البعض أن يكون للممارسة تواجد بين صفوف الشباب، لكن البعض أكد وجودها من خلال حوادث عايشها عن قرب معلقا اللوم على عجز مجموعة من المؤسسات في تأدية دورها، وفي مقدمتها المؤسسة الدينية.
كانت الوجهة نحو الجامعة على اعتبارها أكثر الأماكن قدرة على قطع الصلة بكل ما هو لا علمي. كشفت الروايات العكس بين مدرجات الحرم الجامعي، «التخلف موجود أينما ذهبت، ولا علاقة للأمر بالمستوى العلمي، أنا أعرف الكثير من الطالبات اللواتي يستعن بالسحر بحثا عن التفوق الدراسي، أو جلب الحظ، والبحث عن الزوج المناسب» تقول حفصة الطالبة بشعبة الآداب تخصص لغات.
* تقصير المؤسسة الدينية !!
ما السبب؟ سؤال اكتفى البعض برفع حاجبيه تعبيرا عن العجز في تشخيص العلة. آخرون التقت أجوبتهم في ثلاثة خطوط عريضة هي عجز المؤسسة الدينية، والمؤسسة التعليمية. طرح الاتهام على بعض المنتمين للمجالين إلا أنهم اختاروا رمي الكرة في ملعب الأسرة دون الحسم في معرفة السبب الرئيسي.
«أعتقد أن غياب الوازع الديني هو السبب، لأنني أجزم لو أن الشباب عرف أنه يمارس عملا محرما، أو عملا لا يقبل به العقل سيقوم بتركه» تقول رشيدة التي يفند كلامها شهادة كريمة التي تشتغل كمؤطرة دينية تابعة لمندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية بإقليم النواصر، والتي تؤكد أن الأمر لا علاقة له بمعرفة الحلال والحرام، «انطلاقا من تجربتي بين صفوف الزوجات الشابات، والفتيات داخل العديد من المساجد، يمكنني القول أن الكثير من الشباب يعلم أنه يقوم بعمل محظور، لكن اليأس والاعتقاد بأن الحل قد يكون عن طريق الشعوذة يدفعهم لخوض التجربة.. كثير من الشابات أخبرنني أنهن قمن بأعمال شعوذة لطلب مودة أزواجهن، أو الحصول على زوج، أو اتقاء شر الحماة، أو الجيران… ويؤكدن أن تجربتهن كانت ناجحة لذا يصعب عليهن التخلي عن هذه العادات على الرغم من حضورهن للكثير من الدروس الدينية» تقول كريمة التي ترى أن غياب الوعي الديني ليس سببا في دخول الكثير من الشابات عالم الشعوذة كما يعتقد البعض.
* فعل مستتر لا تحدد ملامحه
من جهته يؤكد الباحث في الأديان والفكر الإسلامي عبد الوافي مدفون أن هناك جهودا مبذولة من طرف المؤسسة الدينية لتوعية الشباب بعدم صوابية اللجوء للشعوذة، غير أن الباحث يرى أنها جهود محدودة نوعا ما نظرا لطبيعة التكتم الذي يلف الظاهرة، «يجب علينا أن نكون واضحين في هذه النقطة، لأن إطلاق صفة ظاهرة الشعوذة بين صفوف الشباب لا يتم إلا من خلال ضبط الفعل بالبحث العلمي من خلال إحصائيات واستمارات تحدد معالم الظاهرة، وعلى أساس هذا التشخيص يكون الموضوع قابلا للعلاج، لكن الملاحظ أن جل من يطرق باب الشعوذة يقوم بالفعل مستترا بعيدا عن رصد المجتمع، مما يجعل اكتشاف الأمر صعبا، على عكس تعاطي المخدرات مثلا الذي تظهر تداعياته على ملامح المتعاطي» يقول عبد الوافي مدفون معللا عدم وجود محاضرات تعالج موضوع إقبال الشعوذة بين صفوف الشباب على رأس أولويات المجالس العملية التي تضم العديد من الخلايا التي تؤدي دور التوعية داخل المجتمع.
ويري الباحث عبد الوافي مدفون أن الشعوذة اختلال لا يحضر بشكل قوي بين صفوف الرجال، «لا أنكر أن هناك رجال يلجؤون للشعوذة، لكن الأمر عادة لا يكون بين صفوف الشباب، بل نجد أن جلهم في سن متقدم نتيجة تأثرهم بالعديد من العوامل وعلى رأسها التربية، بينما يختلف الأمر بين صفوف الإناث على اختلاف درجتهم العلمية، لأنهن أكثر إقبالا على هذا الطقس لرغبتهن في الزواج، لأنهن رهينات سن معين للزواج، على عكس الرجل الذي يظهره المجتمع باعتباره الذكر الذي لا يعيبه سن.. إضافة للزواج نجد بعض المعتقدات الراسخة في مخيلة النساء مثل التابعة، والعين» يقول الباحث الذي يرى أن التوعية بظاهرة الشعوذة لا تتم بطريقة موسمية من قبل المؤسسة الدينية التي تكرس في العادة للمحاضرات التي تهم مواضيع العبادات والمعاملات.
* الشعوذة.. علم !
برأت التدخلات ساحة المؤسسة الدينية لحد ما، وجاء الدور على المؤسسة التعليمية، «هاد الشي كامل بسبب المدرسة.. مكايناش حملات توعية في المدارس» تقول نجاة التي سبق لابنتها الذهاب بمعية صديقاتها نحو بيت أحد “الفقها” بقصد التعرف على نتائج الدراسة. رغم غضب الأم إلا أن نتائج نهاية السنة الدراسية عمقت لدى الابنة قناعة تامة بأن كلام الفقيه كان صحيحا مائة بالمائة، «رغم عقاب ابنتي لأنها رضخت لإلحاح صديقاتها، إلا أنني ألمس من نبرة كلامها ثقتها بقدرة الفقيه على قراءة الغيب.. تسألني عن السر في صدق المعدلات التي زود بها كل صديقاتها، وترى أنه كان صائبا في كل ما قال» تقول الأم التي اكتشفت الكثير من الروايات المشابهة لفتيات زرن نفس “الفقيه” الموجود بعين الشق طلبا للحظ، أو بحثا عن العمل، أو الزوج.
شاركت نادية نجاة تخوفها، لكنها لم تتقبل فكرة اتهام المؤسسة التعليمية، «من غير المنصف أن يعتبر البعض أن المدرسة سبب في لجوء الشباب للشعوذة بسبب غياب حملات تحسيسية.. أعتقد أن تصفح المقررات الدراسية انطلاقا من المستوى الابتدائي إلى الثانوي غني بالمواد الدينية التي تنفر من كل أعمال الشعوذة، إضافة لمواد أدبية وفلسفية تغني معارف التلميذ» تقول نادية انطلاقا من تجربتها في التعليم، وتجربتها كأم ترى أن التربية هي الموجه الذي يساعد الشباب على اختيار الطريق دون إلزامه بها.
«سأخبرك بأمر أنا شخصيا لا أومن بالشعوذة، وحرصت على تربية أبنائي الذين نفرتهم باستمرار من هذه الأمور، ومع ذلك ابنتي الصغرى لها اهتمام بمجال السحر الذي تعرفت عليه عبر مواقع الأنترنيت الأجنبية، ثم بدأت تميل لتصديق الكثير من الخرافات تحت دعوى أنها علم قائم بذاته ويحتاج لبعض التقنين كما هو الحال داخل بعض الدول الغربية» تقول نادية التي وقفت حائرة عند سبب انجراف ابنتها لعالم الشعوذة البعيد عن محيطها..
سكينة بنزين