أحمد سالم أعمر حداد
نعم، المملكة المغربية أفلتت من زحف فوضى الربيع العربي.لكن، لماذا؟ وما هي الأسباب التي أوصلت المغرب إلى بر الأمان ومكنته من الاستقرار وسط نظام سياسي عربي تلون بالدماء ودمغ بالحروب الطائفية والفتن غير المفهومة؟ بشكل أكثر وضوحا لماذا زحف الربيع العربي على الأنظمة الجمهورية العربية وسواها بالأرض، ولم يقدر على زحزحة الأنظمة الملكية؟
وتجنبا لتهمة التنجيم السياسي وبكوني مجرد بوق سياسي، كما نعتني البعض عبر الانترنت بعدما نشرت مقالة سابقة تحت عنوان "ضرورات اغتيال الربيع العربي...وعودة المثقف العربي إلى رشده". فحزب الربيع العربي ليس ديمقراطيا رغم محاولات تقمصه السلوك والأخلاق الديمقراطية ولنا في إخوان تونس ومصر خير عبرة، فإما أن تتبنى فوضى الربيع العربي خيارا ومستقبلا أو تصبح عميلا ورجعيا مواليا للنظام السياسي، تماما على عقيدة الديمقراطي الكبير بوش، الذي قسم العالم إلى معسكرين: الأول يضم الطيبين يحبون الولايات المتحدة ويساندون احتلالها لدول العالم الهشة لأسباب إستراتيجية .والثاني ليس مع الولايات المتحدة وهو مع حزب القاعدة والإرهابيين.
ان استقرار الأنظمة السياسية الملكية في زمن ما يسمى بالربيع العربي حقيقة واضحة لا يستطيع أنصار الفوضى الخلاقة إنكارها وتعتبر المملكة المغربية نموذجا يحتذى لملكية شجاعة مرنة ومبادرة استطاعت أن تنجح في اختبار الربيع العربي والتأسيس لاستقرار سياسي على دعائم قوية بفضل حكمة الملك محمد السادس، الذي استطاع أن يقدم تغييرا مؤسساتيا توافقيا، ضمن للشعب المغربي وللأحزاب وكل التيارات السياسية حتى المعارضة منها المشاركة وتداول السياسية وممارسة حرية التعبير عند المساهمة في صنع التغيير المغربي، كلها معطيات تؤكد يوما بعد يوم أن الاستثناء المغربي ليس مجرد بروباغاندا سياسية وإعلامية استطاع النظام السياسي المغربي قيادتها إعلاميا وسياسيا على المستويين الوطني والدولي،بل مسلسل إصلاح متعدد الجوانب ويسير بخطى ثابتة.
قبل اندلاع أحداث فوضى الربيع العربي، بث الملك محمد السادس إلى شعبه والعالم عدة إشارات واضحة على طريق الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي، أهمها تجربة الإنصاف والمصالحة، التي طوت سجل الاعتقال السياسي وحبس المعارضين وقامت بجبر ضرر المعتقلين السابقين منهم وهي تجربة اعتبرها العديد من المراقبين رائدة على المستوى العربي.
كما أطلق الملك بمبادرة شخصية منه العنان للصحف لتعبر وتنشر بحرية غير مقيدة رغم بعض المحاكمات القضائية التي تسبب فيها سوء الاستخدام للحرية من طرف بعض الصحف التي تلهث وراء الإثارة المجانية الخارجة عن ضوابط أخلاقيات مهنة الصحافة.
كما أطلق الملك برنامجا طموحا استطاع أن يدعم بشكل قوي الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ويفتح الأفاق للكثير من الشباب الايجابي والباحث فعلا عن العمل والتغيير وهو برنامج مبادرة التنمية البشرية.
كما قام الملك محمد السادس بالتأسيس لتغيير جذري في نزاع الصحراء مع جبهة البوليساريو بإطلاق مبادرة الحكم الذاتي، التي أدت إلى جلوس طرفي النزاع إلى طاولة المفاوضات، بعد أن خيم شبح الحرب طويلا على المنطقة وهي نزعة واضحة تحمل إشارات الرغبة في الحلول السلمية للنزاع.
كما عمد الملك محمد السادس دون تردد وعبر إجراءات فعلية دشنتها عدة مشاريع تنموية إلى إنهاء الحصار السياسي والاقتصادي عن الشمال والريف المغربيين الذي فرض على المنطقة في عهد والده الراحل الملك الحسن الثاني.
في مرحلة ثانية ومع اندلاع الفوضى في العالم العربي أبان الملك محمد السادس عن حكمة واسعة وسرعة بديهة وأطلق الشطر الثاني من مسلسل الإصلاح الذي أعتبره شخصيا مسارا طويلا طمح إليه الملك الشاب وليس ردة فعل على الربيع العربي وذلك بتطبيق عملية إصلاح سياسي، في محاولة لتجنّب الاحتجاجات قبل أن تجتاح الموجة نظامه السياسي، وكان الزعيم العربي الوحيد الذي قام بذلك.
وفي بحر أسابيع قليلة، شكل الملك محمد السادس لجنة لصياغة دستور جديد، أقره الشعب المغربي بحماس كبير في استفتاء نزيه بعد ثلاثة أشهر. كما أجريت انتخابات برلمانية جديدة وعندما فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي بأكثرية المقاعد، لم يتردد الملك في تسمية الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبدالإله بنكيران رئيساً للوزراء.
خلال الأسبوع الماضي ظهر الملك محمد السادس، أثناء تدشينه لمشاريع تنموية بمدينة الناظور متكئا على عكاز طبي اثر إصابته أثناء ممارسته لرياضته المفضلة ، أعتقد شخصيا أن صور هذا الظهور الإعلامي إشارة واضحة من محمد السادس إلى الشعب المغربي تفيد تمسك الملك بالتأسيس لملكية شعبية مستقرة، حيث أصبح شخص الملك أكثر التحاما بالشعب، وهو ما أكده تعاطف الشعب المغربي وإعجابه بهذه الإشارة اثر ظهوره في الناظور.
والمهم أن هذا الظهور يحمل رسائل سياسية واضحة إلى الحكومة المغربية بقيادة حزب العدالة والتنمية وكل الأحزاب السياسية والفاعلين الاقتصاديين ولكافة الشعب المغربي ولسان حال الصور يقول: إن العجز المرحلي ليس مبررا ولا يثني عن المضي قدما في تنفيذ مسلسل الإصلاح وحماية الاستثناء المغربي.
- صحفي رقمي وباحث مغربي متخصص في تحليل الصراع السياسي
newsdata1@gmail.com