بين عبد الإلاه ابن كيران رئيس الحكومة والأمين العام للعدالة والتنمية، وبين حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال، هذه الأيام، الكثير من قذائف العنف اللفظي المشبع بالتعابير السوقية. إن ذلك لا يضر فقط بجودة السياسة وجدية خطابها الموجه للعموم، بل يمس بهيبة مؤسسات الدولة ويلقي بظلال من الشك وسط الجمهور، على مصداقية سياسيين يقودون تجربة فريدة وحساسة في تاريخ المغرب السياسي المعاصر.
مشكلة ابن كيران أن خطابه ما يزال مطبوعا بسمات الزعيم الذي يمارس الوظيفة المنبرية في معترك المعارضة، كما تحكم خلفياته الصدامية هواجس المدمن على تحليل السياسة بافتراض عقليات المؤامرة، وحتى اليوم وقد مضت قرابة سنة على توليه منصب رئيس الحكومة، ما زال لم يمتلك خصال رجل الدولة، في الخطاب، وفي اختيار العبارات والكلمات، وضبط الاندفاعات والانفعالات.
أما شباط، فحتى وقد أصبح أمينا عاما لثاني أكبر حزب سياسي في المغرب، ومسؤولا في قيادة التحالف الحكومي الممسك بتدبير شؤون الدولة، فما زال يفكر بعقلية النقابي المتحمس الذي يوزع المطالب والوعيد ذات اليمن وذات الشمال، وهو يواصل التفكير بخلفيات المدافع عن مصالح «العشيرة» المطالب بان ينتزع لها أكبر قدر من المكاسب.
وبين الرجلين حكاية إسمها التعديل الحكومي. في حالات الرزانة والنضج السياسيين، عاد جدا أن يتم التفكير في إعادة النظر في الآلة الحكومية، سوى أن ابن كيران يرى في أي مطلب من هذا القبيل مؤامرة وتهديدا لحكومته، بينما جعل شباط من تعديل الحكومة مشروعا شخصيا، يريد به فرض موقعه وسط نادي الحلفاء الحكوميين وتعزيز شعبيته وسلطته بين الأعداء الاستقلاليين.
وبين تعديل حكومي أصبح مزايدة حزبية، وبين أعطاب ابن كيران واختلالات شباط، تتلاعب رياح التلاسن العنيف والميل نحو عدم الاستقرار السياسي، بخيار ديمقراطي استراتيجي يراهن عليه المغرب لتثبيت أقدامه خارج منطق المخاطر التي وضعت بلدان انتفاضات «الربيع العربي» في منطقة الزوابع التي تتخبط فيها، هذه الأيام، تونس ومصر وليبيا واليمن …
إن السؤال المقلق اليوم، هو ما إذا كانت القيادات السياسية الحكومية في مستوى رهانات الخيار الاستراتيجي المغربي في التغيير، وما إذا كانت الزعامات الحزبية تفكر بمنطق الوطن بدل شهية الحزب.