مولاي محمد اسماعيلي
- على سبيل التعريف
مؤسسات التفكير (Think Tanks) و التي تدعى أحيانا بمعاهد السياسة (Policy Institute) هي عبارة عن : كيان، مجموعة، مؤسسة، معهد، هيئة (حكومية أو غير حكومية) وظيفتها القيام بإجراء الدراسات و البحوث العلمية المركزة و المعمقة، و محاولة إيجاد الحلول للمعضلات المتعلقة بمواضيع ذات طابع اجتماعي سياسي أو قضايا الإستراتيجية السياسية أو القضايا المتأثرة بالتطورات العلمية و التكنولوجية و القضايا العسكرية[1].
جاء في الموسوعة البريطانية حول المصطلح : إنها معهد أو شركة أو مجموعة منظمة لغرض البحث في مجالات الدراسة المختلفة، ذات الصلة عادة بالقضايا الحكومية والتجارية، فهي فيما يخص القضايا التابعة للحكومة تتدخل أحيانا" في تخطيط السياسات الاجتماعية و الدفاع الوطني، و فيما يخص القضايا التابعة للمواضيع التجارية تتدخل في التطويرات و التجارب التكنولوجية و البضائع و المنتوجات الجديدة، وتعتمد مصادر تمويلها على المنح و الهبات النمطية و المشاريع الخيرية، و كذلك العقود، بالإضافة إلى التبرعات الفردية الشخصية، و العوائد من إنجازها للتقارير و البحوث لصالح جهات محددة مقابل مبالغ مالية[2].
ويزخر العالم المتقدم بعدد كبير من مؤسسات التفكير هذه، وهي المؤسسات التي يجلس فيها خبراء وباحثون أكاديميون وغير أكاديميون من أصحاب الخبرة، من اجل التفكير في مشاكل محددة، ومحاولة إيجاد حلول لها، كما تقدم الاستشارة لمن يطلبها أو تتعاقد مع مؤسسات ودول وغيرها، من اجل أن تقدم لها مجموعة من الحلول والأفكار الخاصة بقضية من القضايا أو موضوع شائك أو مسألة بالغة التعقيد سواء في الجانب السياسي أو الإقتصادي أو الاجتماعي، ومعروف في الدول المتقدمة أن هذه الخلايا والمؤسسات الفكرية، تعتمد عليها الدول الغربية ودول شرق آسيا المتقدمة، في معالجة مشاكل التنمية التي تواجه هذه البلدان في ظل الإضطراب الشديد الذي يعانيه العالم في مواضيع البيئة ومحاربة الفقر، ومواجهة التحديات الإقتصادية والإجتماعية الكبرى.
- المنطقة العربية والحاجة لمؤسسات التفكير
الوفرة الكبيرة لهذه المؤسسات في الغرب والعالم المتحضر، يواجهه فقر مدقع في العالم العربي لهذه المؤسسات الفكرية المهمة، فالمنطقة العربية تفتقر أصلا إلى مؤسسات البحث والدراسات التقليدية التي يشتغل بها الغرب منذ عقود من الزمن، فالمراكز البحثية الأكاديمية المتخصصة معدودة على رؤوس الأصابع، ولا نكاد نسمع عن تقاريرها ومؤلفاته إلا في مناسبات محدودة، ولدى طبقة النخبة من المفكرين والجامعيين والمتخصصين، فكيف والحالة هذه أن نجد مؤسسات فكرية من صنف Think Tanks التي تحتاج إلى أشخاص راكموا خبرة علمية كبيرة، إضافة إلى مصادر مالية محترمة تسهم في تقديم أعمال جيدة ذات تشخيص دقيق للحالات والوضعيات المدروسة، وتقدم الحلول والإستشارت اللازمة من اجل تغيير الأوضاع والسير إلى الأمام في معالجة المشكلات التي تواجه الحكومات والدول التي تكون محل دراسة من قبل هذه المختبرات الفكرية.
كان العالم العربي يعيش في سباته العميق الذي دام لعقود طويلة جدا، ولم يستفق إلا بعد أن أقدم شاب تونسي على إحراق نفسه، فأشعل معه فتيل احتجاجات وحراك عربي برز في أكثر من مكان في المنطقة العربية، فتهاوت أنظمة وأزيلت أخرى، وبقيت أخرى تستعمل الحديد والنهار في مواجهة من يطلبونها بمغادرة الكرسي، استتبت الأوضاع في بعضها ومازال الإضطراب سيد الموقف في كثير منها، بل أكثر من ذلك جاءت أنظمة أخرى بديلة للتي زالت في عدد من الدول، لكن حالة التيه والفوضى الفكرية قبل المادية مازالت تسيطر على أجواء العالم العربي.
لو كان العرب مهتمين قبل هذا الحراك بالعمل على تأسيس خلايا تفكير ومؤسسات بحثية فكرية لدراسة الحالة الراهنة، لكان سهلا أن يجدوا الحلول الناجعة بعد هذا الحراك، لكن للأسف برع العرب والمسلمون في تأسيس خلايا للتفجير والتدمير والعشائرية والقبيلة، بدل التفكير الشامل الذي يكون فيه الجميع رهينة للظروف التي صنعتها الحالة الجديدة التي يعيشها العالم العربي، لذلك يلزمنا الكثير من الوقت حتى يقوم الآخرون بدلا منا بتحليل أوضاعنا عبر مؤسسات التفكير الرائدة لديهم، ويقدموا لنا الحلول التي لن تختلف مع مصالح الدول الكبرى التي يشتغلون تحت رحمة أموالها، فالكل يدرك بعد سنتين مما يسمى الربيع العربي، أن العرب ليس لديهم ما يستندون عليه من وثائق وأبحاث وتقارير للتأسيس لغد أفضل ينعم فيه الجميع بقيم الحرية والديمقراطية والتنمية والرفاهية والإزدهار، وليس لديهم ما يشخص حالتهم واحتياجاتهم كشعوب خرجت لتوها من سيطرة الديكتاتوريات والأنظمة الشاملة، لذلك ما تزال تطغى على الفعل العربي كثير من العشوائية وعدم الفعالية، وسعي بكل الوسائل لخدمة التنظيم والحركة والحزب، بدل خدمة الدولة والمجتمع، والتأسيس لكيانات حقيقية قائمة على أسس متينة من احترام الآخر وترسيخ دولة المؤسسات.
إن تأسيس مؤسسات أو مختبرات للتفكير في المنطقة العربية والإسلامية، أصبح ملحا أكثر من أي وقت مضى، لأن هذا الأمر سيمنحها التخطيط اللازم والمنهجية السديدة، للخروج بهذه الشعوب إلى بر الأمان، وهذا الأمر لن يتأتى إلا بتشجيع الحرية الأكاديمية، وعدم التدخل في أعمال الباحثين ونتائج أبحاثهم وتقاريرهم، وتقديم الدعم اللازم للمؤسسات الجامعية والبحثية المستقلة، من اجل تأسيس هذا النوع من المؤسسات التي ستنفع الدول والشعوب على حد سواء، وسيكون هناك تشخيص حقيقي للأمراض التي تعاني منها الشعوب والدول العربية، ومن تم يسهل تقديم الحلول للمشاكل، والعلاج للأمراض التي تظهر هنا أو هناك.
لقد أصبح من الملح جدا، أن يتحالف المال العربي الغزير في الخليج العربي، ويتفاعل مع المبادرات الرامية إلى تأسيس مثل هذا النوع من المؤسسات، لأن هذه الأخيرة إذا وجدت الدعم اللازم، أعطت الكثير في الجانب البحثي والفكري، فكلما آمن رجال الأعمال العرب الذين يُعدون بعشرات الآلاف، بأن الاستثمار في مثل هذه المؤسسات سيعود بالنفع عليهم هم أولا وعلى شعوبهم وعلى دولهم ثانيا، كانت النتائج مبهرة وسارة للجميع، كما أن النكوص إلى الوراء وعدم الإهتمام بمثل هذه المؤسسات من طرف أصحاب المال، سيجعلنا في المنطقة العربية، نعاني دهورا أخرى وأزمنة عديدة من التبعية للآخرين، وما أقساه ذلك الوضع الذي يعجز فيه قوم عن التفكير في مصائرهم والتخطيط لمستقبلهم، وينتظرون الآخرين لكي يقوموا بهذه المهمة بدلا عنهم.
[1] - موقع الجواب (answers) على شبكة الانترنت و يتضمن تعريفات من مصادر متنوعة http://www.answers.com/topic/think-tank
[2] - راجع في هذا الشأن موقع الموسوعة على شبكة الإنترنت : http://www.britannica.com/ebc/article-9380620