لست من الذين كانوا يميلون إلي استعمال عبارة «الربيع الديمقراطي» في وصف ما عاشته بلدان شمال إفريقيا سنة 2011 ، وما يحدث هذه الأيام يزيد من تأكيد قناعتي بأن ما عشناه كان ربيع الإسلام السياسي القادم على أكتاف ثوار طالبوا بالديمقراطية دون أن يكونوا مؤهلين لإرساء قيمها.
ومع ذلك، بقيت محافظا، مع الكثيرين من الذين يؤمنون بمكر التاريخ، على قدر من الأمل في أن هناك انتقالا ممكنا نحو الديمقراطية حتى وسط المد الطافح باللحى الإخوانية والسلفية، فقد اقتنعت ذات لحظة بأن الديمقراطية تحتاج لأفق أطول، وأن الزمن الإيراني نهاية السبعينات ليس هو زمن التكنولوجيات والانفتاح الكوني والمجتمعات المتيقظة في القرن الواحد والعشرين.
لكن نزع الأصوليين لجلباب التقية، كشف لي أننا نعيش اليوم خريف الأمل في انتقالات ديمقراطية تحولت إلى صدمات إيديولوجية مدوية، لقد اختزلت الديمقراطية في مجرد عمليات اقتراعية، ومنطق أغلبية عددية في المجالس والشوارع، أما غير ذلك فتحكمه دولة الفقهاء المبشرين لنا بالهداية وفرض أحكام شريعة تفرق بين الأصوليين أنفسهم، قبل أن تفرق بينهم وبين الديمقراطيين.
وأعتقد أن ثمة ثلات دوائر تكشف الانقلاب الإيديولوجي على روح الثورات «العربية»، في الأولى يستبد رئيس الدولة بالسلط ويعصم نفسه من أي طعن أو مسائلة، وفي الثانية تعود الشريعة الملتبسة لتكون المصدر الوحيد للتشريع ويصبح الفقهاء إكليروس الدولة المدنية المفترى عليها، وفي آخر الدوائر يتحول المعارضون من ليبرالين وديمقراطيين إلي مجرد بلطجية وفلول النظام المطاح به.
هل هناك من أفق أفضل؟، أجل إنه موجود، لكن التأسيس له ينبغي أن يتم في وقت مبكر من عمر هذا الاستبداد الجديد، إن ثورة على الثورة تبدو خيارا وحيدا لإنقاذ انتقالات ديمقراطية تئن تحت استبداد الإسلام السياسي.