ما الذي يمكن أن يجمع بين الربيع و "قومة" عبدالسلام ياسين؟
لاشيء طبعا، لأن للربيع العربي سياقه التاريخي، الذي أملته صيرورة تطور المجتمعات العربية، ونضج الوعي بضرورة التغيير، من دون الاتفاق على نموذج واحد لهذا التحول.
فبينما اختارت شعوب عربية " إسقاط النظام" بالمفهوم الثوري والدموي لهذا الشعار، من خلال دفع الزعيم إلى الفرار ( تونس) أو سجنه ومحاكمته ( مصر) أو قتله وتشويه جثته ( ليبيا) أو الدخول في شبه حرب أهلية لا تزال متواصلة إلى الآن ( سوريا)، اختارت أخرى بحكم ما تراكم لديها من تجربة وحنكة سياسية، وابتعادها، منذ البداية،عن نظام الحزب الوحيد، ( اختارت) نموذجا هادئا للتغيير ( المغرب) من خلال إقرار إصلاحات سياسية عميقة، تجاوزت في كثير، من الأحيان سقف المطالب التي تضمنتها مذكرات الأحزاب السياسية أو شعارات حركة 20 فبراير.
و من الواضح جدا أن ما حدث ويحدث في العالم العربي لا علاقة له بـ "القومة" المزعومة، لأن حلم الشيخ عبدالسلام ياسين، ضرب له موعدا سنة 2006 فلم يتحقق، مما جعله في مأزق أمام الذين صدقوا أحاجيه وخرافاته، فخبا "نجمه" إلى أن اختفى تماما، رغم بعض محاولات الإنعاش بالصعقات الكهربائية، أحيانا، والتي كان أخرها ما اجتهد، محمد حمداوي، عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان في اختلاقه خلال الكلمة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الأول حول "مركزية القرآن في نظرية المنهاج النبوي عند عبد السلام ياسين"، الذي انعقد في العاصمة التركية يومي السبت والأحد، حين سعى إلى الربط بين "الربيع العربي" و "القومة".
إنه نوع من التأويل التعسفي للوقائع والأحداث، من أجل تقويلها ما لا تقوله، ونوع من القفز عن سياق تاريخي بكامله، ونوع من استبلاد الرأي العام، والتهكم على وعي الشعوب، وذلك لعدة أسباب:
أولا: أن كتاب "المنهاج النبوي" هو كتاب دين، يتعلق أساسا بالتربية الإيمانية، وينطلق من قوله تعالى: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"، وبالتالي فإن هذه التربية تقوم على الموعظة الحسنة، والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، وليس على الاقتتال وسفك الدماء كما وقع ويقع في الكثير من بلدان الربيع العربي.
ثانيا: أن "القومة المزعومة" رسم لها عبدالسلام ياسين حدودا جغرافية هي المغرب، وليس العالم العربي، الذي يسعى هذا "المحاضر" للسطو على ربيعه على امتداد جغرافيته.
ثالثا: أن عضو مجلس الإرشاد محمد الحمداوي يريد الرد على "أشبال جماعة العدل والإحسان لنصرة الصحبة" وهو تيار ذو طابع تصحيحي يدعو إلى العودة إلى التوجه الأول الذي قامت عليه الجماعة أي الدعوة على خلفية ترسيخ مبدأ "الصحبة"، كما سطرها عبدالسلام ياسين في كتابه "المنهاج النبوي"، تربية وتنظيما وزحفا، وذلك من خلال ممارسة نوع من التأويل التعسفي على مضامين هذا الكتاب في سياق مؤامرة على فكر الشيخ عبدالسلام ياسين يقودها مجلس الإرشاد، الذي رجح كفة السياسي على الدعوي، ويبحث اليوم عن مصوغات هذا التحول في كتاب "المنهاج النبوي".
رشيد الانباري