حميد زيد.
يعلم الجميع أن الدولة تدعم الصحف، ولا يخفى على أحد أن مالكي الجرائد يحصلون سنويا على قدر من المال، دون أن تفرض عليهم الدولة أن يمدحوها، ولا تهددهم بسحب دعمها، إن كتبوا أخبارا ومقالات لا ترضيها.
وزيادة على دعم الدولة تحصل الجرائد على دعم إضافي، يأتي من عائدات الإشهار ومن كرم رجال الأعمال، الذين أصبحوا يتوفرون على قدسية تفوق "قدسية" السلطة، التي تعتبر بالمقارنة معهم حائطا قصيرا، يمكن لأي شخص أن يكتب عنها ما يشاء، دون أن يخشى عواقب ذلك على مصير المؤسسة التي يشتغل فيها، بل إن الأمر أصبح دليلا على الشجاعة وعلى الاستقلالية والمهنية، فيكفي أن تقول إن الدولة تقمع وإن الدولة لا تحترم حقوق الإنسان حتى تعتبر بطلا ويصفق لك القراء، بينما لا يمكن لهذه الجرائد أن تكتب كلمة واحدة ضد رجل الأعمال الذي يدفع لها بين الفينة والأخرى.
لنتذكر كيف نصبت بعض الجرائد المشانق لتوفيق الإبراهيمي وحاكمته قبل أن يقول القضاء كلمته، وكيف اكتشفت بسرعة تحسد عليها أنه رجل خطير على المغرب وعلى العالم وأنه كان يهيئ لمؤامرة على الاقتصاد الوطني، دون أخذ مسافة ودون تطبيق شروط المهنية التي لا تكف تلك الجرائد عن التغني بها.
ولنتأمل اليوم نفس الجرائد والمواقع، التي اكتشفت عن يقين أن المغرب فقد مقعده في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدعوى أنه لا يحترم حقوق الإنسان، مع أن الخبر مشكوك في صحته، في وقت لم تسمع فيه ولم تر أن القضاء الفرنسي حجز على ممتلكات الرجل الملاك والمقدس سمير عبد المولى، الذي يمنع منعا كليا أن تكتب بعض الصحافة عنه إلا إذا كان الخبر سارا وبربطة العنق الحمراء إياها.
لقد أصبح رجال الأعمال سواء الذين يعتبرون في صف الدولة أو الذين يبدون معارضة للسلطة مقدسين ولا يمكن المساس بهم وبسمعتهم، مهما ارتكبوا من أخطاء ومهما ارتكبوا من فضائح، فلكل واحد منهم جريدته أو موقعه اللذان يدافعان عنه ويغضان الطرف كلما ورد اسمه في قضية ما، كما هو الحال مع الشاب سمير عبد المولى، الذي لا يمكنك أن تسمع عن بواخره وعن العاملين فيها وعن معاناتهم، فقط لأنه يملك نادي أصدقاء مكون من الصحفيين والمناضلين.
يمكنك اليوم أن تقول أي شيء عن الدولة وأن تكتب ما تشاء حولها، لأن الدولة فكرة معومة ولا تعني فردا محددا، لكنك لا يمكنك أن تكتب كلمة واحدة قد لا ترضي عبد السلام أحيزون أو الصفريوي أو ميلود الشعبي أو سمير عبد المولى أو.... دون أن تقلب ما تكتبه رأسا على عقب وتفكر في عواقبه قبل أن تقدم على ذلك، مع ما يتبع العملية من محاذير تتعلق بانتمائه السياسي ومن المقربين منه ومن محيطه.
لم تعد الدولة هي التي تتدخل في الصحافة، بل أصبح رجال الأعمال هم من يلعبون هذا الدور، وهم الذين يفرضون عليها ماذا تكتب والحزب الذي يجب الدفاع عنه وتلميع صورته، والجرائد الناجحة هي التي تلعب مع أكثر من رجل أعمال، ولذلك يطالعها القراء أحيانا وهي دائخة وتحاول أن ترضي أطرافا متناقضة.
حين كان سمير عبد المولى ينتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة كانت تلك الجرائد تؤمن بمشروع هذا الحزب في مدينة طنجة، وحين غير وجهته إلى العدالة والتنمية، انتقلت معه نفس الصحف إلى حزبه الجديد، وهي مستعدة لأن تتبعه إلى المكان الذي يذهب إليه، وإذا ما أصبح يوما استقلاليا أو اتحاديا، فهي معه، ولو اختار أن يصبح مع النهج أو العدل والإحسان، فهي ستثمن خطوته، والأسباب معروفة، وهناك دائما من هو مستعد لتفسير ذلك للقراء.
تتوفر الدولة على إعلامها الرسمي، وهو إعلام غير مقروء وغير مسموع، وفاقد للمصداقية، كما أن الدولة لا تحتكر الصحافة ولا تتوفر على مؤسسات ضخمة ومؤثرة، كما هو الحال مع الأهرام مثلا في مصر، ومقابل ذلك يتقوى إعلام غير مستقل، رغم أنه يدعي عكس ذلك، إعلام يشتغل مع رجال الأعمال ومع جهات كثيرة، إعلام يسيطر عليه الآن أثرياء جدد، التقت أهواؤهم ومصالحهم مع مصالح الإسلاميين، فأصبحت لنا جرائد متخصصة في الدفاع عن الرميد وحزبه، وأخرى في تلميع صورة سمير عبد المولى وحزبه، وأخرى يكتب فيها أحمد منصور تقارير نضالية ويومية لصالح التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وتوضع في خانة الرأي، رغم أن صاحبها لم يكن كاتبا يوما، ورغم أن قانون القرب هو من الدروس الأولى التي نتعلمها في الصحافة، اللهم إلا إذا كانت الأمور تغيرت، وأصبح القرب، مع الربيع العربي، يعني شيئا آخر، لا يفهمه إلا الضالعون في العلم وفي التحليل الصحفي، التحليل الذي يحرص على صورة قطر ومرسي، بينما يرى أن كل شيء فاسد، هنا في المملكة، باستثناء بواخر نصير المظلومين الذي يستقبل كل محتاج وكل من يريد دعما، والذي وحده دون خلق الله من نال كلمة إطراء من أفتاتي الغاضب دائما، والذي يبدو بعيدا ولا تصل أخباره، مادام يسكن في طنجة، وطنجة بعيدة هي الأخرى، لأنها متاخمة للحدود، ومنها يذهب الناس إلى أوربا.