قال العرب قديما على نفسها جنت براقش...وبراقش في السياق المغربي مستويات وأشكال، منذ سنوات ونحن نقول بأن البلاد بحاجة إلى تغييرات في العمق، وقامت القوى الوطنية بحسن نية بالتجاوب مع كل المبادرات التي رأت فيها مصلحة البلاد، وفي سياق هذا التجاوب تحملت سياط الغدر وسيوف التشويه والتشويش وإستهداف البنيات التنظيمية للأحزاب وتقديمها في أبشع الصور عبر إعلام مخدوم شوش على نسائم حرية التعبير وعلى نماذج جادة من الإعلام المستقل، كانت الإنتظارات بحجم الآمال الكبيرة التي سكنت نفوسنا ونحن في سنوات المعارضة، ورغم كل المحن أبقينا على غصن الزيتون في قبضة اليد، مسكونين بهاجس الإستقرار والحفاظ على أمن الوطن.
في المقابل كان هناك أنصار « الهمزة « والمتعطشين للسلطة والراغبين في ريعها، وإمتدت آلة من الفساد تعمل بوسائل الدولة وعبر أجهزتها في أسوء المخططات التي عرفتها بلادنا منذ الإستقلال إلى اليوم، وتهيكلت هذه الآلة في صورة حزب للدولة، خارج السياق وخارج التاريخ وخارج منطق التطور السياسي والديمقراطي لبلادنا، فكانت معارك شرسة وكبيرة، أنقذها شاب تونسي أحرق نفسه في لحظة يأس ليمنحنا شعلة من الأمل في وقف نزيف الوطن، وكذلك كان وخرجت المسيرات تريد رؤوس من أشرنا إليهم وسميناهم بأسمائهم قبل ذلك بشهور، وحيث أن الغضب تراكم في النفوس فإن العديد ممن يملكون رجاحة العقل سعوا إلى تجنيب البلاد الفتنة وتكرار ما يجري في الجوار ولم ينخرطوا في المسيرات حتى لا يسمنوا الغضب ومنح القيادة للعدمية وممثلوها أكثر من الهم على القلب، الذين خلقوا لينسفوا مشروع الدمقرطة في البلاد دخلوا إلى جحورهم بعد أن ملأوا الدنيا قبل ذلك ضجيجا بوصفهم حماة النظام، فكان أن النظام كان يتلقى الضربات وهم في بياتهم الشتوي، فقط الأحزاب الوطنية ومناضلوها هم من إنتصر لإستقرار الوطن وجاهر بالقول أن إستقرار المغرب خط أحمر وأن النظام الملكي موضوع غير قابل للنقاش.
المبادرات الملكية المتوالية كانت على درجة كبيرة من الأهمية وأثمرت دستورا صالحا للمغرب في هذه المرحلة، لكن الحملة من أجل الدستور وضحت بشكل كبير من هي الأحزاب التي تحملت مسؤوليتها بقوة وإصرار ومن كرست سلوكاتها منذ بداية الأحداث، فكانت إستقالات مسرحية، تبين اليوم للجميع أنها كذلك، وأنها فقط كانت خطة لربح الوقت وإنتظار مرور العاصفة، في هذا السياق برز أن الدولة ليس لها رؤية واضحة للأحداث وما يجب القيام به، وساهمت بأشكال مائعة في الدعاية للدستور بل تحاول اليوم جر البلاد إلى السكتة القلبية من خلال مجاراة ما يجري من مسيرات في الشارع، بدل تطبيق القانون بكل مسؤولية، إنها سياسة تعاني نقصا فظيعا من الثقة في الذات، وهو ما جعل التيارات العدمية تفهم بأنها فرصتها التاريخية لتحقيق أحلامها وأوهامها...
في نواحي أكادير بنيت حوالي 6000 براكة منذ بداية الأحداث...أين كانت مصالح وزارة الداخلية، ولماذا تقرر اليوم فجأة التدخل بالقوة لمسح الأراضي وإعادة الوضع على ما كان عليه؟ قبل أسبوع إحتلت مجموعات من العاطلين عن العمل المركز العام لحزب الإستقلال وسط العاصمة، أين كانت قوات الأمن؟ من سيحمي أملاك الناس عندما تدخل السلطة في لعبة الترضيات وغض الطرف عن تجاوزات خطيرة لا يمكن تصور حدوثها في بلد متحضر؟ لماذا إستطاعت سلطات الرباط التعاطي مع العاطلين طيلة حملة الإستفتاء على الدستور، وكيف يمكن أن تقنعنا بعجزها عن حماية مقر حزبي؟ ماهي الرسائل المراد توجيهها في هذا الصدد؟ ألا تشكل الفوضى أكبر خطر على الديمقراطية؟ لماذا لم تفتح ملفات الفساد الكبرى ليعرف المواطنون أن الأمور جدية وتستهدف الإصلاح الحقيقي؟ لماذا يغيب النقاش في وسائل الإعلام حول المخاطر التي يمكن أن تشكلها السلوكات الفوضوية على أمن الوطن والمواطنين؟ وكيف إنقلبت وسائل إعلام خاصة من النقيض إلى النقيض، وعادت إلى ممارساتها القديمة في مدح أولياء النعمة، وتحسين صورتهم المشوهة عند الرأي العام؟
إذا كان البعض عاجزا عن النهوض بمسؤولياته في أي موقع في الدولة، فإن الوطنية والمسؤولية وأخلاق السياسة تفرض عليه أن يقول الحقيقة للشعب، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإصلاح الدول والنهوض بها ليست مسألة أشخاص، بل هي قضية الأمة ككل وما نحن جميعا سوى عابرون في مسؤوليات عابرة...الوطن أبقى والوطن أكبر والوطن أهم...
الآن على الذين أفسدوا الحياة السياسية وأضعفوا الأحزاب والنقابات الجمعيات الجادة، وصنعوا بمقولات التنمية البشرية والمحلية جمعيات هجينة وطيعة، كما صنع أسلافهم أحزاب إدارية كالمحارات الفارغة، أن يقدموا إعتذارا إلى الشعب، الذي أصبح الشارع وحده ملاذه الأخير، وعلينا أن نتوقع تكلفة ذلك على أمن الوطن وإستقراره...لحسن الحظ أن هناك الكثير مما يمكن القيام به، فلا تسقطوا غصن الزيتون.