هل يمكن القول أن المخزن قد مات مع ما عرفه المغرب من تحولات "حداثية" منذ الربيع العربي وحركة 20 فبراير والدستور الجديد وحكومة بنكيران إلى الآن؟.
الجواب نورده في البداية بلا، ونستنسخ منه سؤال هل المخزن استطاع التكيف مع الحراك وغير جلدته التقليدية بأخرى حداثية؟ الجواب نعم.
ولتوضيح السؤالين وجوابهما وجب التعريف بالمخزن أولا، وهي المهمة/ الإشكال الذي يتطلب مساحة أوسع من هاته الافتتاحية، لأنه وبكل بساطة، فالمخزن ليس تصورا وآلية في الحكم، تنبني على مفهوم الرعية وخدمة الشعب للدولة وليس العكس كما هو حال دولة المؤسسات، وبالتالي فقوة المخزن مبنية على ضعف المجتمع المدني وقواه السياسية والنقابية والجمعوية، بل المخزن هو ثقافة تخترق المجتمع بما فيه الفئات والشرائح المتعلمة وخصوصا الفاعلة السياسية منها، هاته الأخيرة التي أصبح أغلبها يتنافس في القدرة على خدمة المخزن وإعادة إنتاج هيمنته وفق التكييف الحداثي، حتى وصلنا إلى مرحلة الزعامات الشعبوية، كموضة جديدة في القيادات الحزبية والخطاب السياسي والنقابي والجمعوي.
ومادامت الشعبوية هي نقيض السياسة بمفهومها الشريف، فإنها تتسم بفراغ المحتوى والقدرة الغير الأخلاقية للسجال المبتذل والقفز والانتقال عبر المواقع المتناقضة، لتحصيل التسطيح المعرفي والسياسي كخلاصة لكل الجدال والصراع في مختلف مجالات قضايا الشأن العام.
فعندما تم انتخاب السيد بنكيران على رأس حزب العدالة والتنمية، بدأ الملاحظون يتساءلون تحت وقع الحيرة، ذلك أن هذا الحزب يتوفرعلى أطر لامعة ومتمدرسة على العمل السياسي والفكري، في حين أن بنكيران معروف عليه البساطة والتبسيط في كل شيء إلى حد الابتدال.
ولما حصل حزب المصباح على الأغلبية الرقمية في الانتخابات الأخيرة، أخذ الرأي العام يترقب هوية الشخص الزعيم الذي سيتولى رئاسة الحكومة في ظل معطيات الدستور الجديد، وعندما تم اختيار بنكيران إزدادت الحيرة وتناسلت الأسئلة، هل هذه المرحلة التي تستبقه في ظل الأزمة المحيطة بنا هي مرحلة الشعبوية؟ أم مرحلة بناء المؤسسات وتنزيل الدستور الجديد؟.
فقد واجه بنكيران المشاكل التي يتخبط فيها بلدنا بروح يغلب عليها التنكيت والتضارب والسطحية في المواقف.
لكن ما أن أصبح ما نسميه بظاهرة بنكيران، حتى طلعت علينا ظاهرة أخرى لا تقل عن سابقتها وهي ظاهرة حميد شباط.
فمنذ أن ظهر هذا الأخير على الساحة النقابية والسياسية، بدأ الناس يتساءلون عن السر الكامن وراء ترقي حميد شباط بهذه السرعة المذهلة. إننا نتذكر جيدا السهولة البالغة التي وصل بها إلى قمة النقابة الاستقلالية الإتحاد العام للشغالين بالمغرب، ثم الإكتساح الذي حققه في الانتخابات الجماعية والبرلمانية جعلت منه الممثل الأول والأبرز للمدينة العلمية فاس.
ثم، عندما فتحت الترشيحات لإنتخاب الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال، استقبل الرأي العام والحزبي ترشيح شباط بنوع من التحفظ، وتقاطرت الأسئلة حول هذا الترشيح. فكان السؤال هل سيصمد شباط أمام المدرسة الفاسية التاجرة والعالمة المتمثلة في نجل مؤسس الحزب عبد الواحد الفاسي؟، إلى درجة أن بعض من الرأي العام وصفه بمصارع الطواحن الهوائية على طريقة دون كيشوط.
إلا أن النتيجة أذهلت الجميع وأخرست الألسنة عندما فاز شباط بالأمانة العامة للحزب العتيد.
ذلك أن شباط لا يحمل وراءه لا "الشرعية" العائلية ولا الطبقية ولا العلمية. إلا أن تساؤلنا هذا، لا يكمن في الجهة الواقفة وراء هذا النجاح، ولكن يكمن في الشعبوية العريضة التي يتمتع بها الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال.
ذلك أن الشعبوية هي مسرحة المشاكل السياسية وتبخيسها وجعلها بالغة الإبتدال.
إلا أن الغريب والمثير للتساؤل حقا، هو ما يجري داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فقد سبق أن أشرنا في جريدتنا إلى أن التنافس على الكتابة الأولى للحزب يفتقر إلى حوار الأفكار والتنافس الإيديولوجي ومواجهة الرؤى والمواقف، بل ظهر للعلن أن هذا التنافس قد إنحدر إلى درجة طغت عليها كذلك الشعبوية.
فعندما نقف على تصريحات المرشحين الخمسة وبصفة خاصة إلى تصريحات الحبيب المالكي نجده يعترف بكون الشعبوية ستجر الحزب إلى الحضيض.
هل معنى هذا أن المرشح الأكثر شعبوية هو الذي سينتصر في الأخير؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال، فإن منطق الشعبوية هو المسيطر الآن على الساحة السياسية، التي دشنها بنكيران وأبدع فيها حميد شباط. والتي لا محالة ممتدة في حزب الاتحاد، حيث سيشكل مجلسه الوطني لمنتصف هذا الشهر، الإجابة التي نعتقد كما سبق أن أشرنا في أعدادنا السابقة أنها ستكون تأكيدية لسيادة وهيمنة الشعبوية، على الأقل في زعامة لشڭر المعلنة.
ذ.محمد الحجام
مدير نشر جريدة ملفات تادلة