لطيفة باقا
كنت في زيارة قصيرة للبحرين في غضون الشهر الماضي، عندما وقعت بالصدفة على نص الشكاية التي رفعها عدد من النساء المغربيات المقيمات بالخليج ضد تصريح "ناقص حلاوة" أدلت به مبدعة "البرتقالة المرّة" بشرى إجورك. تصادف هذا الحدث الذي لا يعدو كونه في الواقع، حدثا عارضا كان يمكن ألا يثير انتباه أحد، مع نقاش شيّق جمعني ببعض المثقفات البحرينيات، كان موضوعه صورة المغربية في الخليج و صورة الخليجية في المغرب. اكتشفنا من خلاله سوء الفهم الكبير الذي وقع الطرفان ضحية له. فالمغربية ليست فقط تلك المستهترة، محترفة أقدم مهنة في التاريخ، الساحرة المشعوذة، سارقة الرجال.. والخليجية ليست فقط تلك المتشحة بالسواد، المهووسة بالمساحيق والحلي الذهبية، الخاضعة والمستسلمة لنظام ذكوري متشدد لم تستطع أن تتمرد عليه إسوة ببنات جنسها في جميع أنحاء العالم. كان يناسبنا تماما ونحن نرفع اللبس الإعلامي المغرض، أن نخرج من ذلك الحوار الصريح بإعلان يمكن أن نحوّله فيما بعد إلى شعار كما فعلت بعض النساء في فرنسا و نقول « ni putes ni soumises » :
خلصنا إذن، إلى أنّ هناك امرأة أخرى تنتمي لهذه الأرض، تحترم نفسها وتملك نفسها... هذه المرأة يتجاهلها طبعا، تجار بورصة القيم في القبيلة العربية التي ارتدت ثوب العصر.
خلصنا أيضا إلى أن "المقدسة و المدنسة" وجهان لعملة واحدة، وهي عملة مطلوبة، ترتفع أسهمها كثيرا في سوق الجنس العربي.
الرسالة المنددة في هذا السياق، وحتى لو لم تنجح في إثارة الانتباه بما يكفي " لسوء الفهم الكبير" إيّاه، فهي بالتأكيد مؤشر قوي على حاجتنا الدائمة إلى تصحيح المواقف المبنية على كليشيهات جاهزة غارقة حتى أذنيها في مستنقع الأفكار المسبقة. الموضوع لا يخلو من طابع كاريكاتوري وهو بالإضافة إلى ذلك يكشف حقيقة كوننا لم نتعلم بعد أن ننأى عن عادة وضع البيض كلّه في نفس القفة.. هشاشة البيض تجعله عندما يكدس في نفس القفة، عرضة للكسر لمجرد حركة عشوائية غير مسؤولة مثله مثل سمعة النساء في المجتمعات المحافظة، يكفي أن يشير أصبع لامرأة ما حتى تنهار سمعتها وبسرعة قياسية. نحن ننتمي لثقافة تجعل الناس (نساء ورجالا) على استعداد دائم لإدانة النساء. فالمرأة متهمة حتى تثبت براءتها و هي بالنسبة للكثيرين مصدر فتنة تكاد تهدد السلم الاجتماعي عموما...
مغربيات، خليجيات و من كلّ الأعراق والأعراف وعلى امتداد هذا التردي العربي، هن لسن أكثر من كائنات ثقافية تتفاعل، تنفعل وتفعل في واقعها و مجتمعها، هؤلاء النساء بكل أطيافهن نتيجة موضوعية لسيرورة تاريخية يمتزج فيها الاقتصادي بالثقافي بالمذهبي بالجنسي. نحن لسنا ملائكة ولا شياطين والوقت قد حان فيما أرى، و بمناسبة هذا التصريح الإذاعي بالتحديد، لننظر في وجه بعضنا البعض نظرة التواطؤ تلك التي تفهمها كلّ النساء في العالم ، لنرفع اللبس القديم و نقطع نهائيا مع سوء الفهم الكبير هذا.