بعدما تعاظمت دوائر العزلة والنفور، واتسعت رقعة العزوف عن المشاركة في الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات والمسيرات، التي تفتعلها بعض أطياف المشهد الحقوقي من أجل النزول إلى الشارع، لتقول "إننا موجودون" بعد أن تآكلت مُديّتها على صخرة التطورات المتوالية في مجال حقوق الإنسان، التي انطلقت منذ أزيد من عقدين من الزمن، و لم تتبق منها إلا "القبضة الخشبية"، طلعت ثلاث هيئات من هذه الفسيفساء ( المنظمة ومنتدى والجمعية) بالدعوة للخروج في مسيرة من أجل قضاء يضمن عدم الإفلات من العقاب... هكذاعادت أدراجا إلى ملفات طواها الزمن، وأصبحت مجرد ذكرى حتى بالنسبة للضحايا، الذين اختاروا فلسفة الصفح، وقلب صفحة الماضي، في إطار مسلسل الإنصاف والمصالحة، (الخروج في مسيرة) من أجل أن ترفع شعار عدم الإفلات من العقاب.
ولم تكشف هذه الهيئات الحقوقية عما إذا كانت تريد أن تنصب مقاصل الإعدام أو أن تملأ السجون؟ وهل خول لها الضحايا الذين منهم المرحوم إدريس بنزكري، الذي قاد هذا المسلسل، وأحمد حرزني، وعبد القادر الشاوي، ومحمد اليازغي... وآخرون النيابة عنهم. كما لم تكشف للرأي العام عن العلاقة بين القضاء والإفلات من العقاب، مادام القضاء، سلطة مستقلة، عن كل السلط، ولا يخضع لا لضغوط السلطة التنفيذية، ولا لنزوعات السلطة التشريعية فبالأحرى أن يخضع لأهواء الجمعيات الحقوقية، وعلما أن القضاء يقوم على مبدأ " لا جريمة ولا عقاب إلا بنص"، و مبدأ " التقادم"، كما أن تحريك المتابعة يقتضي أساسا يستند إليه سواء أكان شكاية أو حدثا أو كتابة ( نشر)، وأطراف تختار الاحتكام إليه أو أحداث تقتضي تحريك مسطرة التحقيق والبحث.
في المغرب اختار الضحايا المصالحة، واختارت الدولة التعويض المادي والمعنوي، وهناك برنامج وطني لجبر الضرر في المناطق التي لحقها أذى الانتهاكات أكثر من غيرها.
ومن الواضح جدا أن عبدالحميد أمين يقصد في هذه الحالة، كما صرح هو نفسه، الرد على عبدالإله بنكيران في جلسة المساءلة الشهرية أمام مجلس النواب، والتي نفى خلالها أن يكون المغرب قد شهد في عهد حكومته أي تراجعات في مجال حقوق الإنسان.
طبعا، كلام بنكيران لم يرق السيد أمين، رغم أنه كانت تجمع بينهما قواسم مشتركة ( الجمعية والحزب)، حيث وقفا معا ضد قانون الإرهاب، وخرجوا يدا في يد في مسيرات و وقفات ضد ما يسمونه "انتهاكات لحقوق الإنسان، وشككوا في حقيقة الخلايا الإرهابية، لكن السبل اختلفت بهما.
بنكيران ينظر، اليوم، من موقع المسؤولية الحكومية، ويمارس الصلاحيات التي يخولها له هذا الموقع في السهر على تطبيق القانون وحفظ الأمن العام، ومهمة الأمن هي حماية الأمن، وحماية سلامة الأشخاص والممتلكات، وحين يحتل بضع نفر الشارع أو الطريق والأزقة والساحات، بدون ترخيص مسبق يحدد مكان الوقفة أو مسار المسيرة، فإن الأمن، في هذه الحالة، يتدخل لحماية حق الراجلين في العبور، والسيارات في المرور.
ويكفي ما حدث في طنجة... يكفي السيد أمين أنه بفعل هذا "الاستغلال" المبالغ فيه لحقوق الإنسان، والفهم المغلوط في التعاطي معها امتدت أيادي السلفية الجهادية إلى القوات العمومية بالحجارة والسيوف، فهل هذا يكفي أن يبحث سي عبدالحميد عن المزيد؟