ما الذي يجمع أحمد الريسوني، والسلفية في طنجة، غير العباءة واللحية والخلاف حول الشارب والموقف من ربطة العنق؟
ظاهريا لا شيء، بالرغم من أنهما معا، وفي تلاقح مشرق - مغرب، يعلنان الانتماء إلى السلف الصالح، كما أعاده وركبه الإمام بن تيمية.
الريسوني، نظريا، فقيه يخدم العلم ويخدم به، في حين يسير السلفي باتجاه الميدان وتفجير الأنظمة والمجتمعات.
ومع ذلك، فإن التوقيت المغربي جمع بين تصريحات الفقيه وتصرفات السلفيين.
منذ أيام قليلة، دعا الريسوني إلى خروج المظاهرات إلى الشارع، لما اعتبره قرارات شجاعة للحكومة التي يرأسها الأستاذ بنكيران. ولم يكن في تقديرنا بعيدا عن رأس الفقيه، ما كان الشارع المصري يعيشه، عندما كانت الحركة الإخوانية في القاهرة تدعو للتظاهر لمساندة قرارات محمد مرسي (والذي أضاف له الكثيرون لقب مبارك بعد أن ذكرهم الإعلان الدستوري باستبداد المخلوع).
في مصر، تخرج الدولة من المؤسسات لكي تحسم خلافاتها في الشارع، وتبحث لنفسها عن هوية جديدة بعد الإطاحة بنظام مبارك.
وفي مصر، يحكم مرسي، بواسطة برلمان، الجميع يعرف لونه وتركيبته، وفي مصر يقيم النظام، في جزء منه في ساحة التحرير.
هل يصدق ذلك على المغرب؟
أبدا.
وبيد الرئيس ما يدافع عن نفسه به. وهو يحكم إلى جانب أغلبية معروفة، بناها بيده وصلاحياته.
فلماذا التظاهر؟
لأنه لابد من أن يكون الفضاء العمومي مطقسنا، وتنبعث منه رائحة الند والبخور، لكي يسهل في المقام الثاني أن يفرض الشيوخ السلفيون قانونهم كما في تونس.
والمعادلة واضحة المغرب = مصر + تونس!!
مصر بالتظاهر لنصرة القائد السياسي للمرحلة العقدية الجديدة، وتونس بالمواجهة في الشارع بين الدولة (المتهمة بالعصرية) والسلفيين الذين يريدون أن تكون الأرض كلها للحي!
إن إدراج السكاكين والمسيرات إلى تدبير السياسة في الوقت الراهن، هو الزج بالمغرب في الأجواء القائمة، والمشحونة حد الانفجار في بلدان الربيع العربي..
استيراد الأشكال السياسية في الدفاع عن الفكرة من المشرق، لم يكن دائما موفقا، ولا يمكنه أن يصبح كذلك في الحاضر المغربي المتعدد..
الريسوني مستمر في نظرته إلى الدولة، ويرى أنها وكر واسع للملاحدة والمغتربين، وأنهم في كل مؤسسات الدولة.
والحل؟
إسلام الشارع المنتفض، والشارع الذي يعلن فوضاه كأسلوب سياسي مفتوح.
والحال أن المطلوب هو أن يدخل المغرب إلى السلاسة السياسية والتطبيع مع آليات العمل الديموقراطي المؤسساتي..
نحن أمام شحن سياسي وإيديولوجي يجعل الحدود بين التجربتين وبين النظامين وبين المجتمعين تتقارب في السديم العقائدي المتحزب للأهل والعشرية في السياسة. وهو أمر خطأ، لأنه لا يمكن أن نستنسخ الشعوب في شعبنا.. والبنيات التي حققتها البشرية في إيجاد الديموقراطية لا تنزل إلى الشارع من أجل «نخوة» عائلية .
الشارع المغربي من ميزاته أنه لم يكن أبدا حكرا على الدولة، أو على أدواتها، على الأقل في فترة الانفراج والتوافق السياسي، والعودة به إلى الاحتكار باسم الحكومة مغامرة وبداية غير مسبوقة.
ففي نهاية المطاف، فحكومة بنكيران، كأي حكومة، لابد لها من خصوم، ولابد لها من منتقدين، فكيف نفكر في أن نصادر الشارع لفائدتها، ونفتح الفجوة التي يمكن أن يتسلل منها المؤمنون بالمواجهة مع كل ما يرمز إلى السلطة والدولة.
ألا ينطلق السلفيون، أنفسهم، من نفس المنطق، وهم يحتجون ويهاجمون الدولة، دفاعا عن زميل لهم، ودفاعا عن واحد منهم؟
ولما نزلوا إلى الشارع لم تكن هناك؛ حدود...