في ظلال هذا الجو الروحاني نشأ الطفل وترعرع الإبن القادم من زمن غير زمنه، فترسخت في مكنوناته ملكة الأمانة وصفاوة الصدق وطهرانية الطفولة وحب الآخر كيفما كان هذا الآخر.فقد حكى لي أحد أصدقائه ،بعد الواقعة الشهيرة حين تعرض للإبعاد من ديوان البصري. يقول صديقه:حاولت مواساته،فتلفظت بكلمات نابية في حق البصري،لكن لطف وطيبوبة الشاب أنذاك، وعمق إيمانه بالقدرخيره وشره،وسريرته الطيبة،جعلته يطلب مني أن أسحب شتمي وأن أكف عن السب والقدف ،لأن أخلاقه تترفع عن .مثل هذا السلوك ،ولربما كان الوزير محقا في ما قام به،ولربما لم يكن مرتاحا لما أقوم به وهذا من حقه .
هذه مجرد حادثة بسيطة،تظهر مستوى روح ومعدن وطينة المعني بالأمر.
وقد عرفت وكالة المغرب العربي للأنباء،بشهادة أهلها عصرها الذهبي ،حين مروره على رأسها ذات مدة قصيرة.ونفس الشئ خلال مروره على رأس مديرية الشؤون الداخلية بأم الوزارات، حيث يشهد له كل من عمل إلى جانبه بدماثة خلقه وحسن معاملته ،كيف لا وقد جمع خلال اجتماعات مارطونيةيساريين،ماركسيين وإسلاميين من أجل حثهم على العمل في العلن وفي إطار القانون لأن البلد في حاجة لكل أبنائه.
ولم يكن تعيينه على رأس المخابرات العسكرية اعتباطيا ولا لكونه أحد تلامذة المعهد المولوي،وإنما للثقة التي يحظى بها لدى جلالة الملك محمد السادس نصره الله.فقدخبره تلميذا وطالبا وموظفا،ولم يرمنه غير الصدق والأمانة وحب الوطن والولاء والتشبت بالعرش المجيد.
إنه رجل قادم من زمن جميل زمن الصدق والمروءة والأمانة والحب، رجل لا ينقطع لسانه عن ذكر الله، موسيقاه قرآن كريم مرتل بالطريقة المغربية، وترانيمه أمداح نبوية، وجمعه جمع للفقهاء وأهل الذكر وكلامه يرشف من كلام الصوفية،حتى أصبح قولهم ينطبق عليه.تقول الصوفية:`<من شدة الظهور الاخفاء>.
هذه لمحة عن الرجل الذي يسهر على أمننا الخارجي ،ويحكي أحد المقربين منه ،إنه يشتغل أكثر من سبعة عشرة ساعة في اليوم،ولما نُصح يوما ،بضرورة أخذه قسطا أكثر من الراحة ،كان جوابه:الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم جُعلت قرة عينه في الصلاة، وسيرا على سنته جُعلت راحتي في الصلاة، فصلاة الفجر عندي تعوضني ثلا ث ساعات من النوم،وإذا أضفت باقي الصلوات فإنني أرتاح أكثر من اللازم،أو لا تعرف أنه بذكر الله تطمئن القلوب ??،فكذلك الأجساد!!
هذا غيض من فيض. ونحن في أركانة،على يقين أن الرجل سيزعجه هذا الكلام،بل سيرى فيه مبالغة وتضخيما ومديحا يتجاوز حقيقة تواضعه وحبه لملكه ووطنه،لأنه بكل بساطة من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومن الذين لا يريدون جزاء ولا شكورا.ولكنها كلمة حق أرادت أركانة أن توفي بها حق الرجل. وإلى اللقاء مع بورتريه آخرلرجل آخر قادم من زمن آخر.
م.إدريس.سلك