فتحت "السلفية الجهادية" بابا جديدا من أبواب التطرف والعنف والإرهاب، ولم تعد تكتفي بالانتظام داخل خلايا إرهابية، كان حزب العدالة والتنمية "الحاكم" هو السباق دائما إلى التشكيك في حقيقتها، ولم يتردد ـ أحيانا ـ في اتهام الأجهزة الأمنية باختلاقها، وإنما اختارت ( السلفية الجهادية) التحول إلى "فتوة" و "عصابات" و " مافيات" تفرض قانونها الخاص الذي يمتح من فلسفة القتل.
هذا ما يحدث في طنجة، التي نمت فيها لحى "السلفية الجهادية" كالفطر، وأصبحت تهدد بتدمير جمال مدينة عشقها الكثير من الكتاب والفنانين والشعراء والمفكرين...
فلقد خرجت فلول"السلفية الجهادية" (حوالي 100 فردا) ونظموا مسيرة. على إثر ضبط شخص مبحوث عنه بسبب الاشتباه في تورطه في قضية إرهابية وجرائم أخرى، والذي تكلفت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء بإجراء البحث معه بشأن ذلك. ( نظموا مسيرة) في اتجاه مقر ولاية الأمن بطنجة للمطالبة بإطلاق سراحه. وقاموا بشل حركة السير في وقت الذروة في أحد الشوارع الرئيسية بالمدينة، ولما حاولت القوة العمومية إقناعهم بإخلاء الشارع العام وتحرير حركة السير. تم استهدافها من طرف المتجمهرين المدججين بأسلحة بيضاء وبالعصي والحجارة. وهو ما خلف إصابات في صفوف بعض عناصر الشرطة بعضها خطير (جرح غائر وخطير في العنق بآلة حادة. وكسر المرفق الأيسر وإصابة خطيرة في الذراع ...)"، بل وحتى بعد تفكيك الوقفة ورجوع المتجمهرين إلى نقطة الانطلاق. فوجئت دورية أخرى مكونة من رجلي شرطة. كانا يقومان بمهامهما الاعتيادية بأحد الشوارع. بهؤلاء يعتدون عليهما دون سبب حيث أصيب أحد الشرطيين بجروح خطيرة نقل على إثرها بدوره إلى المستشفى.
إن ما وقع يوشي أن "السلفية الجهادية" تريد فرض منطقها الخاص، في العلن، بعد أن فشلت في تحقيق ذلك سرا، في إطار الخلايا الإرهابية، وتريد أن تحوّل الشارع إلى مسرح للمواجهات المفتوحة مع السلطات العمومية، مستغلة حدث فتح تحقيق مع أحد أعضائها لا أقل ولا أكثر.
والسؤال هو لماذا اختارت "السلفية الجهادية" أن تتحرك في هذا الوقت بالذات؟ وهل يمكن اعتبار هذا الهجوم بمثابة تحول في التكتيك والاستراتيجية؟ وما هو الباب الذي تقرعه من خلال هذا التصرف الأرعن الذي لا يقيم أدنى وزن لسلطة القانون ولا إلى "المصالحة" التي دشنها وزير العدل والحريات الحالي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، مصطفى الرميد مع رموز هذا التيار الذين كانوا رهن الاعتقال من خلال التماس العفو لفائدتهم؟
من حسن الحظ، أن هذا الهجوم يأتي في مرحلة بدأت فيها بعض الأصوات ترتفع من أجل فتح باب الحوار مع معتقلي "السلفية الجهادية" بمبرر أنهم قاموا بالمراجعات الفكرية اللازمة، لكن ما حدث ينبغي أن يضع حدا لهذه القصة المشروخة.
الأكيد أن خطر "السلفية الجهادية" لا يزال يحدق بالمغرب، وأن "أطماعها" و "طموحاتها" قد تقوت بعد الإفراج عن بعض رموزها، الذين منهم من تاب توبة نصوحا ومنهم لا يزال مستمرا في غيه.
والأكيد أيضا أن هذا الخطر لا يمكن أن تواجهه فقط قوات الأمن مهما كانت أعدادها وعتادها، بل تقتضي هذه المواجهة تجند مجتمع بكامله للدفاع عن قيم ورثها منذ أكثر من 14 قرنا.
والأكيد أن الحكومة الملتحية تدرك اليوم أكثر من أي وقت، وهي في موقع المسؤولية، كم جنت من الذنوب بسبب مواقفها "الغامضة" من السلفية الجهادية أيام كان حزب العدالة والتنمية في خندق المعارضة، وهو ما يقتضي منها اليوم أن تقدم للشعب المغربي الاعتذار الذي رفضت أن تقدمه غادة التفجيرات الإرهابية لماي 2003 التي هزت الدارالبيضاء.
رشيد الانباري