|
|
|
|
|
أضيف في 27 نونبر 2012 الساعة 09 : 21
قال اللورد البريطاني "أكتون" في نهاية القرن التاسع عشر: " السلطة مُفسدة، والسلطة المطلقة فساد مطلق. الرجال العظام غالبا ما يكونون رجالا سيئين". الرجال العظام غالبا مايكونون رجالا مجرمين. السلطة تفسد الصالح وتجذب إليها الطالح.
أرسل يوليوس قيصر حرسه الخاص بعيدا، وجلس على عرشه داخل مجلس الشيوخ. تقدمت إليه مجموعة من واضعي القوانين، وطلب أحدهم توقيعه على وثيقة. عندما رفض قيصر، هجم عليه ومزق ثيابه.
كانت هذه إشارة إلى 23 من أعضاء مجلس الشيوخ بالهجوم على قيصر بالخناجر. كان أحدهم، بروتس، ولي نعمته وأقرب الناس إلى قلبه. نظر إليه قيصر بحسرة قائلا قولته الشهيرة: "حتى أنت يا بروتس". ثم توقف عن المقاومة وغطى وجهه بجلبابه، وسقط مدرجا في دمائه على الأرض.
أوغسطس قيصر روما في آخر عهده، كان قد تملكه الشك فيمن حوله وخصوصا زوجته ليفيا. كان يعتقد أنها سوف تقتله بالسم حينما تحين لها الفرصة.
كان لا يشرب أو يأكل من يديها الطعام قبل أن يتذوقه أحد من الخدم. ولا يأكل ثمار الفاكهة إلا ما يختاره بنفسه ويقطفه من حديقة القصر. قامت زوجته بوضع السم في ثمار التين بالحديقة التى كان يأكل منها أوغسطس، ومن ثم نجحت في قتله. فعلت ذلك لكى يصبح تيبيريس (ابنها من زواج سابق والذي سميت بحيرة طبرية باسمه)، قيصرا لروما.
هل كانت نهاية تيبيريس أفضل من نهاية زوج أمه؟ كلا. فبعد فترة من حكمه، وبينما كان يرقد تيبيريس في فراش المرض، جاء كاليجولا، حفيده بالتبني، ووضع الوسادة على وجهه حتى يخمد أنفاسه ويخلفه في الحكم.
ثم ماذا حدث لكاليجولا؟ مزق الحراس جسده بالسكاكين في دهاليز القصر، وقاموا بتنصيب كلوديوس المؤرخ والكاتب وأحد أفراد العائلة.
فتأتي زوجة كلوديوس أجريبيا لتقوم بوضع السم له في الطعام لكي يؤول الحكم لابنها نيرون من زواج سابق.
الخليفة عمر بن الخطاب، قتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي في المسجد. الخليفة عثمان، قتلته الغوغاء وهو يصلي في منزله. علي بن أبي طالب، قتله ابن ملجم وهو يصلي في المسجد. الحسن سَمّته زوجه عندما وعدها معاوية بالمال والزواج من ابنه يزيد. الحسين، قتل هو وأهل بيته في كربلاء فيما يشبه الاغتيال. المأمون قتل أخاه الأمين.
تستمر تراجيديا قنص واختطاف الحكم في العالم الإسلامي، وتتحول الخلافة إلى ملك عضوض يورث، يسلمه كل خليفة أو سلطان إلى ابنه من بعده. ويستمر مسلسل القتل والاغتيالات طلبا للسلطة. ولم نجد خلافة رشيدة سوى مدة 30 سنة من 1300 سنة هى عمر الخلافة الاسلامية. والباقي خلافة ليس فيها من العدل أو الرشد شيئا.
عدد الخلفاء والسلاطين الذين ماتوا ميته طبيعية يكاد يعد على الأصابع. أما الباقي فقد انتهت حياتهم حياة مروعة. منهم من قضى نحبه بالسم أو بالسيف أو بالخنق أو بالجوع أوبالتعذيب أو بالدفن أحياءً أو بالإلقاء في غيابات الجب.
من الخلفاء من سُمِلْت عيناه وألقي به في الحُفَر ليموت كما تموت الكلاب الضالة، ومنهم من سُمِلت عيناه وترك يتسول في شوارع بغداد عاصمة الخلافة.
ورأينا الأب يقتل ابنه، والابن يقتل أباه وإخوته وأولاد إخوته. كل ذلك من أجل الحكم والقوة والصولجان، من أجل لؤلؤة اللآلئ، السلطة.
آل عثمان، الذين انتهى إليهم أمر المسلمين، قد كانت من عادتهم قتل آبائهم وخنق اخوتهم أو حبسهم داخل قصورهم حتى يؤمن شرهم وعدم مشاركتهم في السلطة.
السلطان مراد الثالث، له جارية كانت في الأصل أميرة من البندقية اسمها صفية، لها مسجد بمدينة القاهرة في شارع محمد علي. أعتقها السلطان وتزوجها وأنجبت له محمد الثالث.
عندما مات السلطان وقبل أن توارى جثته الثرى، قامت صفية وابنها محمد الثالث، بمساعدة الخدم والعبيد، بخنق إخوته الثمانية عشر، واحدا بعد الآخر.
السلطان جلبي بن عثمان، قتل أخاه عثمان وأخذ جميع بلاده. مراد بن عثمان، أمر بقتل ابنه صوجى. ابن مراد بن عثمان، ترك أربعة أولاد، نجدهم قد تقاتلوا حتى لم يبق منهم إلا واحد ليستبد بالملك.
مراد صاحب برصا، قبض على أخيه أرضن بك وسَمَل عينيه بمسمار محمي وسجنه حتى مات في السجن. محمد الثاني الفاتح (فاتح القسطنطينية)، أمر بقتل أخ له رضيع اسمه أحمد.
سليم الأول، الذى غزا مصر عام 1517م، وقام بصلب سلطانها طومان باي على باب زويلة، نجده قد قتل والده بايزيد الثاني بالسم، وخنق اخوته وأولادهم.
ويستمر مسلسل قتل الآباء وخنق الاخوة والأبناء بين السلاطين العثمانيين إلى أن الغى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية عام 1924م.
نظام السلطنة بالنسبة للمماليك في مصر، لم يخل من القتل والغدر بأقرب الناس طلبا للسلطة، رغم الأعمال البطولية التى قاموا بها من صد هجمات التتار والصليبيين وبناء المساجد العظيمة والمدارس والمستشفيات وشق الترع، والحفاظ على استقلال مصر قرابة 300 سنة، حتى انكسارهم على يد سليم الأول وفقد مصر استقلالها.
نجد أيضا أن شجر الدر تقتل توران شاه ابن زوجها الملك الصالح، وتقتل زوجها عز الدين أيبك التركماني. فيقوم ابنه "على" بالتحريض على قتل شجر الدر بالقباقيب، وإلقاء جثتها من خلف أسوار القلعة، لكي تلغ فيها الكلاب.
بيبرس البندقاري قام بقتل السلطان قطز وهو في طريق عودته من انتصاره على التتار، ويستولي على السلطة بمفرده. ثم يحاول بيبرس قتل أحد الأمراء المماليك بالسم، فيقوم الأمير باستبدال الكأس المسموم بكأس بيبرس، دون أن يلاحظه أحد، فيقتل بيبرس نفسه بالسم وهو لا يدرى.
ويستمر هذا المسلسل المرعب في الصراع على السلطة وانتقالها من سلطان إلى سلطان، بنفس الأسلوب وبنفس الطريقة. فإما أن يُقتل السلطان، ويتم الاستيلاء على الحكم بطريقة مباشرة. وإما أن يموت السلطان في فراشه تاركا أولاده الصغار.
فيقوم الرجل القوي من الحاشية المحيطة بالسلطان المتوفي بالحكم نيابة عن أحد الأبناء القصر الضعفاء، الذين ليست لهم دراية بطرق الحكم ومشاكله.
أول شئ يفعله الوصي الجديد، هو التخلص من رجال الأب بالقتل والتشريد ومصادرة الأموال. بعد ذلك يضع رجاله وموضع ثقته في المناصب الحساسة. ثم يقوم بخنق أولاد السلطان المتوفي وكل عائلاتهم أخذا بالأحوط.
ويستمر التكالب على السلطة، ويستمر القتل والخنق والتشريد والمصادرة في الماضي والحاضر. موت الملك فاروق والمشير عبد الحكيم عامر وحتى الرئيس جمال عبد الناصر لا يخلو من الشكوك.
ثم مأساة مقتل الرئيس السادات. والنهاية المذرية للرئيس مبارك. وبالطبع لا يتسع المكان لسرد كل مآسي الصراع على السلطة وكيف تحول الإنسان الوديع إلى كائن بشع بكل المقاييس. ولا أريد أن أسرد ما فعلته السلطة المطلقة بالرعية والناس الغلابة. فهي قصة دامية حزينة باكية، وموضوع شرحه يطول ويحتاج إلى عدة مقالات.
إذا وضعت مجموعة من الفراريج في حيز ضيق. فإنها تقوم على الفور بالهجوم على بعضها بالنقر ونتف الريش وفقع الأعين وإسالة الدماء، في معركة حامية الوطيس.
يستمر الحال على هذا المنوال حتى يتحدد المركز الاجتماعي المناسب لكل فروج. أو بالبلدي المريح، كل واحد يعرف مقامه ويلزم حده. في النهاية، نجد الفروج المفتري صاحب السلطة المطلقة. قد يكون أقرع أو أعور، لكن في إمكانه نقر كل الفراريج، ولا يستطيع أن يقترب منه فروج آخر.
يليه الفروج الثاني في سلم السلطة، وهو الفروج الذى يمكنه نقر باقي الدجاج فيما عدا الفروج الأول. وهكذا، إلى أن نصل إلى الفروج المسكين، الذي تقوم كل الدواجن بنقره، دون أن يكون في مقدوره نقر أحد.
المثل الشعبى يقول:"ما يقعد على القور الاّ الفرخ الأعور". العور هنا لا يعني الضعف والعجز، إنما يرمز للقوة والجبروت ودلالة واضحة على خوض الحروب الطاحنة في سبيل السلطة، مثل القراصنة أو موشي ديان.
هذه المعركة ضرورية لاستقرار الأمن الاجتماعي بين الدواجن، متى عرف كل منهم وضعه المناسب بين الرفاق. الدواجن لا تعرف الديموقراطية، وليس لديها ميثاق اجتماعي وحقوق دواجن شبيه بحقوق الإنسان.
لكن الإنسان المتحضر، وجد بديلا لنظام نقر الدواجن هذا، وأطلق عليه اسم الديموقراطية. الديموقراطية وإن كانت لها بعض العيوب، إلا أن ضررها أقل من ضرر قتل الآباء وخنق الأخوات وبقر البطون وسمل العيون ونتف الريش.
لكن في بلادنا، هل يختلف نظام الحكم عندنا كثيرا عن نظام نقر الدواجن؟ وهل هناك أمل لنا في ديموقراطية، عندما يضع رئيسنا كل السلطات في يده وفوقها السلطة الدينية؟ وهل نحن إلا ناقر أو منقور.
هل الفرخ المسكين منتوف الريش الذى يُضرب من الجميع يختلف كثيرا عن الشعب المسكين الواقف في طوابير العيش والملقى في العشوائيات. ومتى نرتقي في سلم التطور إلى شئ أفضل، ونحكم بنظام لا يشبه نقر الدواجن؟
السلطة مثل الوحش الضاري. إذا لم تروض تدمر الحاكم والمحكوم على السواء. هذا ما يقوله التاريخ. إننا لا نتعلم من التاريخ ونكرر نفس الخطأ، وننتظر المهدي المنتظر، أو البطل العادل الذى سوف يرحمنا من الظلم الذي نحن فيه، لكي ينصف المظلوم وينشر العدل في ربوع البلاد.
المهدي لن يأتي، على الأقل في زماننا هذا. لذلك يجب أن نروض السلطة مثل البلاد المتقدمة، ونقوم بتفتيتها. يجب أن نحرم أي مسئول، وأولهم رئيسنا، من وضع كل السلطات في يديه، مهما كان شأنه وإخلاصه ومواظبته على صلاة الجمعة في المساجد. يجب أن نفعل كما تفعل الدول المتقدمة. ولا خيار لنا في ذلك.
الدول المتقدمة قامت بفصل السلطات، التشريعية والقضائية والتنفيذية. وأكدت سيادة القانون والحريات وحقوق الإنسان. وقامت بتفتيت كل سلطة منها من الداخل.
مثلا، السلطة التشريعية، قامت بتفتيتها إلى أكثر من مجلس نيابي. داخل المجلس النيابي الواحد، اختلف وقت انتخاب الأعضاء، حتى لا يأتون جميعا في آن واحد، فيتكتلون ويكونون سلطة قوية.
السلطة القضائية، هي الأخرى، مفتتة إلى قاض ومحلفين. وأنشأت هذه البلاد، محكمة دستورية عليا، لا سلطان عليها. حتى لا يُستخدم الدستور والقانون في استعباد الناس. لكن رئيسنا المحبوب وجماعته يقومون بنسف المحكمة الدستورية من جذورها الآن، ونسمي هذا ديموقراطية.
في البلاد المتقدمة، نجد أيضا رئاسة الجمهورية محددة بفترة أو فترتين على الأكثر ولمدد محدودة. هذا كله لتفتيت السلطة وترويضها. لا لتكديسها في يد فرد واحد أو جماعة بعينها، غير شرعية لا نعرف ولاءها أو مصادر تمويلها.
هل يعقل، بعد هذا الكفاح المرير، والثورة التي سقط فيها الشهداء، أن نصل إلى سلطة مكدسة في يد فرد واحد، وإلى مسودة دستور يكتبها ملتحون لا يؤمنون بوطن ولا بديموقراطية ومساواة بين الناس.
يعادون الحضارة والثقافة والرياضة والفن وحقوق الإنسان، ويحاربون العقل والمنطق، وينشغلون بالتراهات والمهاترات وحفظ الفروج وبول الإبل وأكل لحم الجان.
وهل يعقل أن نترك نسيج الوطن يتمزق بسبب ضيق الأفق والغباء والصراع على سلطة لا يأتي من ورائها إلا الشقاء.
|
|
3022 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|