للدستور الجديد من يحميه... ومادامت الأغلبية رضيت بما جاء به من إصلاحات، فإنها لن ترضخ لابتزاز العدل والإحسان، ولا لحركة 20 فبراير، التي ابتلعتها جماعة الشيخ ياسين، فلم يبق من هيكل اليسار الراديكالي إلا العظام.
شباب 20 فبراير أنفسهم يعترفون بهذا المنزلق الخطير، الذي وقعت فيه الحركة، منهم من انسحب، ومنهم يعيش لحظة تردد، ومنهم من قبل باللعبة، غير أن هذه اللعبة القدرة بدأت تصطدم بإرادة أنصار الدستور، الذين لم يعودوا مجرد متفرجين بل فاعلين يخرجون بدورهم إلى الشوارع كل يوم أحد... يوم الأحد بلغ عددهم 160 ألف، و انضم إلى صفوفهم أطباء ومهندسون وجامعيون وأئمة مساجد، وهؤلاء ليسوا "بلطجية" كما يروّج لذلك البعض.
بعد أن انسحب "الشرفاء" الذين لم يختاروا الركوب على حصان دون كيشوت، واستعادة البطولة في زمن انقضت فيه البطولات، ( انسحبوا) من حركة 20 فبراير، أصبحت البلطجة من سمات حركة لم تعد تراهن على التغيير والإصلاح كما ادعت في البداية، بل على تنفيذ أجندة محددة بعناية، حركة لاتهمها الإصلاحات بقدر ما يهمها زرع الفتنة، لأن "الفكرون ما تيعيش غير في الما المخلوض" كما يقول المغاربة.
لجان دعم الدستور بدورها تفننت في وضع الشعارات، وكتابة اللافتات، وصناعة المجسمات، وإبداع التعبيرات الرمزية، هذه المرة اختارت الحمار... "الحمار الذي ليس له قلب ولا أذنين" كما في "كليلة ودمنة" لعبد الله بن المقفع.
أمر طبيعي جدا أن لا يركن أنصار الدستور للسكوت، وأن لا يرضخ الناس لهذا المنطق الحصري بين شهريار و شهرزاد الذي يقوم على مبدأ "احكي وإلا قتلتك"، أو على منطق المثل الشعبي "نسرق أولا نقتل مول الخيمة"... فالتجربة أبانت أن الإصلاح ممكن بدون ثورات، وحتى البلدان التي لا تزال تحت صدمة الثورة، بدأت تدرك هذا المعطى.
ماذا تريد العدل والإحسان بالضبط؟
في تقدير الكثيرين، أن الجماعة تبحث عن انتزاع الاعتراف ( بحكم أنها جماعة محظورة)، لكن الحصول على وصل الإيداع القانوني لا يتم في الشارع العام، هناك مؤسسات، وقوانين يخضع لها الجميع، فلماذا تبحث عن الاستثناء؟
في تقدير الكثيرين أيضا أن الجماعة تبحث عن "الحوار"، من حقها أن تفتح هذا الباب مع الأحزاب أولا عوض المستشارين السياسيين للسفارات الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تقبل بمنطق الإصلاح.
خطة العدل والإحسان الآن أصبحت واضحة: الخروج إلى الشارع، وخطة أنصار الدستور أصبحت واضحة أيضا: الخروج إلى الشارع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون...
وبعيدا عن الضوضاء "الإعلامي" المفتعل، سيرى الجميع من الأكثر عددا ومن سينتصر.