|
|
|
|
|
أضيف في 23 نونبر 2012 الساعة 54 : 16
إن اليونانيين القدماء كانوا يعاقبون المرأة التي تخون زوجها بجدع أنفها والرجل الذي يخون زوجته بقلع عينيه،إنه القانون الذي يحمى الفرد من الاستبداد و الانتهاك ويحمى الدولة من تجاوز الأفراد و عنجهيتهم .من هنا من الممكن للخيانة أن تمر من الفراش إلى مكاتب السياسة و صناعة القرار بشكل سلس و مثير في نفس الآن، ودائما ما اعتبرت الخيانة مبحثا مهما في عالم السياسة و دهاليزها سواء في العصور القديمة أو في عالم القرية الصغيرة الآن باعتبار أن الحدث السياسي الذي يقع في إحدى الدول حديثها و قديمها تتعدى آثاره الحيز الجغرافي و الثقافي عندما تترك بصماتها شئنا أم أبينا على البشرية جمعاء، حتى ذلك الرجل الذي لا تثير شهيته و فضوله السياسة وعوالمها ينال من أثرها نصيبا ربما قد يكون ضحيتها. دخل الجنرال ديفيد باتريوس تحت الأضواء و بريق الشهرة بحكم الموقع الذي كان يشغله كقائد الأركان الأمريكي و تقلده لمناصب عسكرية كبرى كان أهمها قيادة القوات الدولية الموجودة في العراق، وكذلك في أفغانستان، كما كان قائداً لكل القطاعات العسكرية الأمريكية الموجودة في منطقة آسيا والشرق الأوسط،و كان أخيرا المسؤول الأول لجهاز الاستخبارات و هو المتخرج من أشهر أكاديمية عسكرية "ويست بوينت" وعمل في مجال القوات البرية وتولى مناصب قيادية في قوات المظليين الآلية والمشاة الجوية الهجومية في أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة كما حصل على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة برنستون الشهيرة، ويُعدُّ من القلة التي تجمع بين التأهيل العسكري والتأهيل الأكاديمي،متزوج من ابنة جنرال أمريكي متقاعد كان يعمل رئيساً لنفس الأكاديمية. إنها خلفية ممتازة لرجل وقع فريسة الخيانة بكامل مواصفاتها العميقة و الظاهرة،سوف لن نقف هنا على الدراما المثيرة في قصة الخيانة الزوجية لجنرال له ما له في تخطيط سياسة بلاده و صناعته لخريطة متشابكة من العلاقات داخليا و على المستوى الدولي،فعلاقته مع كاتبة سيرته بولا برودويل يمكن اعتبارها سطح القضية الأعمق إذ على الرغم مما يمكننا التنويه به فيما يخص القيم العائلية التي يتمسك بها الغالب الأعم من الأمريكيين و ما يمكن لهذه المسألة الأخلاقية أن تثيره من حساسية على مستوى القيم على اعتبار موقعه أو القانونية .
استقالة الجنرال القوي
الأمن القومي الأمريكي يتجاوز الخيانة الزوجية إلى ما بعدها في هذا الملف مما يعتبر انكشاف معلومات حساسة على اعتبار الجنرال باتريوس كان في مواقع حساسة و مركزية في توجيه سياسة بلاده الاقتصادية و الأمنية و العسكرية و السياسية،انظر إلى ما قاله أمام لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ بالفعل في البيان الافتتاحي "انه يأسف للظروف التي أدت إلى استقالته"، جملة فعالة وتحمل دلالات سياسية كبيرة توحي بان المسالة تتجاوز الخيانة الزوجية إلى عمليات خاصة بالأمن القومي على مستوى معلومات حساسة و مواقف غير معلنة متعلقة بالجيوستراتيجي الأمريكي. عندما تعلن شركة "لوكهيد مارتن" استقالة مديرها العام المقبل كريستوفر و السبب الظاهري طبعا علاقة عاطفية في داخل المؤسسة،الاستقالة في هذا التوقيت بالذات و الرئيس الأمريكي يعيد ترتيب إدارته و ترتيب الأولويات السياسية و الاقتصادية،أيضا أمر الرئيس الأميركي باراك أوباما تجميد قرار تعيين الجنرال جون آلان القائد الحالي لقوات الحلف الأطلسي في أفغانستان،القراءة المتأنية تقول انه يمكن اعتبار الخيانة الزوجية في حالات الجنرال بتريوس و لوكهيد مجرد لبوس و غطاء لأشياء اكبر.و من خلال تتبع مسيرة باتريوس المهنية نجده قد أدى عملا مشهود له فيه بكفاءته و جدارته سواء في العراق عام 2003 أو أفغنستان فهل يمكن التكهن في هذه المرحلة بأنه قد تورط في عمليات تم ابتزازه حاليا من خلالها ؟أو سرب معلومات تعتبر أمنية لجهات معينة؟ أو هي عملية تدخل في إطار ترتيب البيت الداخلي من أجل تحوير خطط استراتيجية فيما يخص واقع الشرق الأوسط و شمال إفريقيا؟ من هنا سنضع الإصبع على سبع نقط حيوية للإجابة عن سؤال استقالة الجنرال القوي بتريوس.
سبع نقاط وراء استقالة بتريوس
1 لم يحظ أي جنرال في الجيش الأميركي بطاقم ضباط أكثر ولاء مما حظي به الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية و خدمته المتميزة في عدة مناطق من العالم خصوصا أفغانستان و العراق. هذه المكانة بإمكانها أن تجذب الاهتمام و الغيرة و العمل على محاولات احتوائه و لما لا التجنيد من أطراف متداخلة في الملفين الأفغاني و العراقي و تعتبر إيران و الصين و اسرائيل مرشحين للدخول على هذا الخط و المناورة من اجل تمرير أجندتها و توسيع مناطق نفوذها.
2 تعتبر الشهادة التي أدلى بها قائد القوات الأمريكية في العراق، الجنرال ديفيد باتريوس والسفير ريان كروكر أمام الكونغرس بشأن الوضع في العراق نقطة في سجله من الممكن أن تكون مدخلا مهما من اطراف داخلية و خارجية لمحاصرته او تصفية الحساب السياسي معه انظر هنا الى توم لانتوس السيناتور الشهير يصيح في عصبية في وجه بترايوس "أنا لا أصدقك"، بحيث تحدث باتريوس عن نجاح الخطة الأمنية التي تبنتها قواته إثر صدور تقرير لجنة بيكر هاملتون، لكنه استدرك بالقول إنه سيكون من الصعب على الولايات المتحدة إبقاء تعزيزاتها العسكرية التي أرسلتها في مطلع 2007 إلى العراق العام المقبل أيا كان الوضع ميدانيا و حذر من أن انسحابا كبيرا وسريعا ربما تترتب عليه عواقب كارثية و كان هدفه هو إحداث بلبلة في الرأي العام الأمريكي وإخافة الديمقراطيين لدفعهم إلى سحب مطالبهم المتعلقة بوضع استراتيجية للخروج اتفاقات الجنرال مع بوش الابن الخفية تلقي ظلالها على دعمه المتواصل للوجود العسكري ربما السري في عهد اوباما .
3 انتقد السيناتور الجمهوري تشاك هاجل باتريوس وكروكر لعدم تناولهما العنف بين الجماعات المتنافسة في الجنوب مثل جيش المهدي الموالي للزعيم مقتدى الصدر، وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي يسيطر جناحه المسلح على الشرطة في أجزاء كبيرة من الجنوب و هذا يعتبر فشلا لتمهيد الطريق أمام العراقيين للتوصل إلى المصالحة المنشودة ونبذ الأعمال الثأرية وتقديم التنازلات لبعضهم البعض أملاً في تشكيل هوية وطنية عراقية و منها التركيز على علاقة الجنرال بيتريوس مع نوري المالكي علاقة متوترة قبل التقرير بشكل كبير هناك حتى برلمانيين من داخل الكتل السياسية صرحوا بأن العلاقة وصلت إلى حد مطالبة المالكي بتغيير بيتيريوس و هذه ارهاصات تؤكد تراكم في اعداد القاتلين لطموح الجنرال السياسي.
4 مبادرة بتريوس في بناء علاقات مع زعماء العشائر السنية في غرب العراق وشماله الذي أدى إلى خلق ما سمي بالصحوات ، فبعد أن كانت سياسة القوات الامريكيه تقوم على التوجس منهم شرع بتريوس في عقد الصفقات معهم ورصهم صفا واحد في مواجهة تنظيم القاعده والبعثيين والتنظيمات المقاومه التي تسيطر على المحافظات السنية ،و هذا ما أدى إلى خلق نوع من الحزازات بينه شخصيا وبين إيران في شخص الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد "فيلق القدس"الذي شكّل مصدر قلق وإزعاج لسياسة بتريوس في العراق و الشرق الأوسط. و لا نجانب الصواب إذا قلنا أن العلاقات الأمريكية الإيرانية فيما يخص التسويات في الشرق الأوسط و أفغانستان تمر عبر تحييد الجنرال بتريوس.
5 الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي نسطرها كنقطة خلاف ساخنة بين الرئيس باراك اوباما والجمهوريين الذين يتهمون البيت الأبيض بتضليل الرأي العام في الأيام التالية للهجوم بقول إنه كان حادثا عفويا وليس عملية إرهابية منظمة وأشار بعض الجمهوريين إلى أن الحكومة أرادت في البداية تجنب فكرة أنها أخفقت في منع هجوم إرهابي وهو ما كان من الممكن أن يقوض فرص اوباما في إعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة في الانتخابات التي أجريت في السادس من نوفمبر 2012، و أصحاب الاتهام هنا يقولون بان الهجوم كان من الممكن تجنبه لو لم تقم وكالة المخابرات المركزية باعتقال ليبيين في منشأة سرية في بنغازي في ليبيا وأن الهجوم على القنصلية الأمريكية ومركز الاعتقال السري كان بهدف تحرير هؤلاء المعتقلين و هذه تعتبر خطأ قاتل يضاف إلى سجل بتريوس رئيس المخابرات باعتبار أن هذا الأمر يحرج الإدارة الأمريكية حيث أصدر أوباما قرارا في يناير 2009 ينزع فيه سلطة المخابرات في اعتقال أي شخص ويمنعها من إدارة سجون سرية حول العالم كما سبق أن حصل خلال إدارة جورج بوش،و هذا يزيد من شكوك حول باتريوس في علاقته المضمرة بالحزب الجمهوري رغم خدمته في إدارة اوباما.
6 نظرا لشعبيته وسط الجمهوريين فقد تردد إسمه كمرشح محتمل للرئاسة مستقبلا لكنه أعلن عدم حماسه للمنصب، وعلى الرغم من عضويته في الحزب الجمهوري في وقت من الأوقات يؤكد بتريوس أنه مستقل ولم يشارك في التصويت منذ سنوات. لكن مازالت هناك شكوك داخل إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما في أنه ربما يخفي طموحات سياسية مستترة قد تمثل خطرا شديدا على الديمقراطيين في يوم ما.
7 اغتيال رئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن في لبنان تدخل تحت بند تعويم خطط مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الجنرال باتريوس،تلك الخطط التي تشغل الحيز الإستخباراتي و التعاون اللوجستي فيما يخص جمع المعلومات و تركيب أجهزة متطورة من شبكة اتصالات في منطقة استراتيجية كلبنان.و هذا التوجه نحو استخدام أوسع للتكنولوجيا العسكرية بدلًا من الإعتماد على العامل البشري يحسم ما أعلنت عنه لوكهيد مارتن من استقالة مدير الاستثمار في المجموعة كريستوفر كوباسيك بمفعول فوري بسبب علاقة عاطفيه مع إحدى الموظفات في إدارتة، و تعتبر لوكهيد مارتن أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم ،وكان يفترض أن يتم تعيين كوباسيك 51 عاما مديرا عاما لمجموعه الصناعة الدفاعية العام المقبل اغتيال وسام الحسن ضربة حاسمة لمشروع الجنرال باتريوس و اعادة ترتيب اوراق المنطقة و سوريا بالذات . من هنا يتضح أن الفضيحة الجنسية يمكن أن تكون غطاء أو تمويها لما تسطره السياسة الخارجية الجديدة في ضوء انتخاب اوباما لولاية ثانية و توجهاته التي ربما تكون محكومة بمجموعة قيود عكس ما يتصوره البعض من إطلاق يده في بعض الملفات .فالصناعة الحربية تتجند أكثر من أجل البحث عن تمويلات و مناطق نفوذ و جغرافية متوترة بهدف تنفيذ برامجها العسكرية و تصريف منتجاتها و من ضمنها شركة لوكهيد مارتن التي تعمل في أربع مجالات رئيسية هي الصناعات الجوية، و الأنظمة الإلكترونية و تكنولوجيا المعلومات و حلول الأعمال و صناعات الفضاء ..
أخيرا إذن كخلاصة تحييد الجنرال باتريوس من الممكن اعتباره صفقة بعد عودة اوباما الي البيت الأبيض و بروز موضوع التعيينات والحقائب ضمن أولويات اختيار فريقه للسنوات الأربع المقبلة، من الأسماء السيناتور جون كيري كمرشح بارز لتولي وزارة الخارجية، والسيناتور الجمهوري السابق تشاك هاجل لوزاره الدفاع، كذلك بخلاف لهجة الجمهوريين لدى انتخابه للمرة الأولى عام 2008، حين وعدوا بجعله رئيسًا لولاية واحدة وقاطع بعضهم خطاب التنصيب، أبدوا ليونه اكبر ولهجة أكثر انفتاحًا في التعامل معه هذه الولاية.حيث أكد رئيس مجلس النواب، جون باينر بقوله "نحن علي استعداد لان نقاد، ليس كجمهوريين او ديمقراطيين بل كأمريكيين، ويمكن أن ننظر في اقتراحات للبحث في إصلاح ضريبي شرط خفض الإنفاق الحكومي في ملفات ضمان الشيخوخة والعناية الاجتماعية" و هذا ما جعل باراك اوباما يجري اتصالاته بالقيادة الجمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، من اجل البحث في الأولويات الأكثر استعجالاً والمتمثلة في الاتفاق علي صيغة للموازنة تجنب البلاد أزمة تشريعيه وماليه مطلع العام المقبل
|
|
3156 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|