لا شك أن أولئك الذين أصابهم مس الشيطان أو حالة هذيان جد متقدمة، فلم يروا في مشروع القانون المالي إلا ميزانية القصر الملكي، لحاجة في نفس يعقوب، قد وجدوا أنفسهم في حالة حرج شديد أو مسخ بعد نشر تفاصيل هذا الباب من أبواب الميزانية، بما في ذلك الأجر السنوي للملك، وهو راتب ليس بتلك الضخامة التي حاولوا أن يوهموا الرأي العام بها، ولا بحجم الضجيج المقصود إزاء هذا الموضوع.
ولا شك ـ أيضا ـ أن الذين يعرفون جيدا خريطة الأجور في المغرب، سيسخرون من تلك الجماعة التي حاولت التظاهر في الشارع العام، لسبب بسيط هو أن هناك من المواطنين ـ هنا بالمغرب ـ من يتقاضى أجرا يعادل أو يفوق راتب الملك سواء في مؤسسات تمتلك الدولة جزءا من رأسمالها أو في شركات خاصة، بل إن هناك من الموظفين في القطاع العام من يصل إلى نفس الأجر السنوي إذا ما تم احتساب التعويضات والعلاوات التي يحصل عليها، وهو ما يعني أن أجر الملك لا يمثل استثناء، ويدفع بالتالي إلى التساؤل عن الأسباب الثاوية وراء الإصرار على تكرار طرح موضوع ميزانية البلاط، كل سنة، بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي.
وإذا كان خلفيات الحالمين بـ "القومة" و "الجمهورية" و "الثورة الآتية..." الذين تركهم قطار المستقبل وراءه معروفة، فإن من كتلا من الضباب تحيط بموقف النائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي، عضو الفريق النيابي للحزب "الحاكم".
لقد دعا سي عبد العزيز إلى مناقشة ميزانية البلاط "حته حته" كما يقول إخواننا المصريون، وبحضور ممثل عن القصرالملكي، ونسي في خضم هذه الاندفاع الهائج، أن الدستور والقانون التنظيمي لمجلس النواب، قد حددا بكل وضوح المساطر والشكليات المتبعة في مناقشة مشروع القانون المالي، ولم يتركا الباب مفتوحا أمام الاجتهادات التافهة.
كما نسى سي عبد العزيز أو تغاضى على أن ميزانية البرلمان بغرفتيه لا تخضع لأية مناقشة، وأن الذي يقوم بتقديمها ـ عادة ـ هو الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وليس رئيسا الغرفتين، لأن الذين يخول لهم القانون المثول أمام اللجان الدائمة خلال مناقشة مشروع القانون المالي هم الوزراء والمندوبون الساميون أو العامون أو رؤساء المجالس العليا بحضور الوزراء الأوصياء على هذه القطاعات، وأن ميزانية السلطة التشريعية، في إطار مبدأ استقلالية السلط، لا تخضع لأية مراقبة حكومية.
رشيد الأنباري.