بدأت "مأساة" جماعة العدل والإحسان تتفاقم، بالرغم من المساحيق التي تطلي بها تقاسيم وجهها الذي تعلوه التجاعيد والندوب، بين الحين والآخر، في محاولة لإخفاء العلل التي أصابت جسدها الشائخ.
فبالإضافة إلى مرض الشيخ عبدالسلام ياسين، الزعيم الروحي للجماعة، والذي أصابه الخرف، و لم تجد أحلامه من سبيل لكي تتحقق على أرض الواقع، وتأكد للذين اغتروا برؤيا "القومة" أن العته أصابه في مقتل.
وبعد ارتفاع أصوات نخبة من مثقفي الجماعة يتقدمهم عبدالعالي مجدوب ( عضو سابق بالمجلس العام للإرشاد)، الذي يرى أن اختيارات القيادة لا تستقيم مع الواقع، وأن "القومة" مستحيلة التحقق، وأن النظرة الواقعية تفرض تغيير الخط الإيديولوجي للجماعة الذي ينبني على أضغاث الأحلام، وتبني رؤية تلتصق بالأرض لا رؤية تُحلق في أديم السماء.
وبعدما سكت المجلس الوطني للدائرة السياسية المنعقد الصيف الماضي عن التقرير المالي، وكافأ النساء اللواتي لعبن دورا "حاسما" في إفشال مخططات قياديات القطاع النسائي المستقلات اللواتي كن يستعدن إلى التحرر من قبضة مجلس الإرشاد الحديدية. وفي هذا السياق يمكن وضع استقالة نادية ياسين، وعضوتين بارزتين في الأمانة العامة هما فاطمة قصيد ومريم يافوت.
وبعد رسالة عبدالله الشيباني، لرئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، والتي كانت "أفرغ من جوف حمار"، كما يقول المثل العربي، والتي لم تترك أي صدى، ولقيت الشجب حتى من داخل "نشطاء" في الجماعة، ينشطون في دائرة فتح الله أرسلان.
بعد كل هذا ظهرت، بوضوح، وفي العلن، شريحة عريضة من أتباع الجماعة ترفض الاستمرار في نفس النهج. وتحركت على مواقع التواصل الاجتماعي ( فايسبوك) مجموعة تطلق على نفسها"أشبال جماعة العدل والإحسان لنصرة الصحبة"، وهو تيار ذو طابع تصحيحي يدعو إلى العودة إلى التوجه الأول الذي قامت عليه الجماعة أي الدعوة على خلفية ترسيخ مبدأ "الصحبة"، كما سطرها عبدالسلام ياسين في كتابه "المنهاج النبوي"، وهو المنهاج الذي تم تحريفه من طرف ثلة من حواريي الشيخ، لأن الطابع الدعوي لا يخدم مصالحهم، فضحوا به، وألبسوا الجماعة لبوسا سياسيا صرفا، وقاموا بتصفية كل ما يعارض هذا التوجه بالعزل والطرد والإبعاد والإقصاء.
وترفع هذه الجماعة شعار: " الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل"، والحق بالنسبة لهؤلاء الأشبال، هو الرجوع إلى المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، لأنه هو البضاعة الصالحة التي تم استبدالها ببضاعة فاسدة في سياق مؤامرة على فكر الشيخ عبدالسلام ياسين يقودها ـ حالياـ عبدالكريم العلمي، عضو مجلس الإرشاد ورئيس مجلس الشورى، وعبدالصمد الرضى، ومنير الركراكي، ومحمد بارشي وعبدالواحد المتوكل... الذين ضاقوا ذرعا بمبادرة هذا التيار التصحيحي، فعمدوا إلى الرد عليه، لأن العودة إلى النبع الأول لا تساير أهواءهم، ولا تتطابق مع أجندتهم.
ولا غرابة في ذلك مادامت هذه البضاعة الفاسدة، تقوم على بناء جديد ( مجلس الإرشاد، والدائرة السياسية، ومجلس الشورى)، وهو بناء فُصّل على المقاس من أجل إفراغ مفهوم الإرشاد العام، كما جاء في "المنهاج النبوي" من مبناه ومعناه، لأن الذين يقفون وراءه "يحبون السلطة والثروة والكراسي"، ويسيرون في طريق إنشاء حزب سياسي.
من ثمة فإن ما يسمى بالبناء الجديد، وإن كان يسعف فئة تدور في فلك فتح الله أرسلان على طرق باب المشاركة في الحياة السياسية، فإن فئة أخرى لا ترغب السير في هذا الطريق، وتتمسك بالدفاع عن الطابع الدعوي للجماعة، والذي من أجله نشأت، وفيه ترعرعت، ولا يمكنها اليوم أن تضحي بالدعوي لفائدة السياسي، وهو ما يفسر انقطاع أصحاب أرسلان عن زيارة الشيخ عبدالسلام ياسين.
إن هذا التحول في المقاصد والوجهة هو الذي جعل القيادة الحالية تخرج عن السكة الصحيحة، في تقدير "أشبال جماعة العدل والإحسان لنصرة الصحبة"، لأنه أصبحت لها مأرب أخرى، تغترف، في كثير من الأحيان، من زاد السفارات الأجنبية، أو من الأسفار الشكلية التي تغطي عن لقاءات سرية.
رشيد الانباري