لم تجد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وبقايا حركة 20 فبراير البائدة ما تفتعله للنزول إلى شارع محمد الخامس في قلب العاصمة للاحتجاج سوى المطالبة بـ "تخفيض ميزانية البلاط الملكي"، وكأنها استنفذت كل مهام الدفاع عن حقوق الإنسان، وهو ما يبدو أنه حدث بالفعل، خاصة وأن جرأة التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أوضاع السجون قد نزع عنها "الوصاية" و "الاحتكار" الذي كانت تمارس ـ تعسفا ـ على المجال، ولم يترك لها ما تحشر فيه أنفها مستقبلا في موضوع تركب عليه لخدمة أجندة أخرى.
وفي أي بلد ديمقراطي، لا يحق لأي أحد سواء أكان شخصية مادية أو معنوية أن يهبط إلى الشارع من أجل المطالبة بتقليص ميزانية أو الرفع منها، لأن المؤسسة المخول لها ممارسة هذه المهمة، كما هو منصوص على ذلك دستوريا، هي البرلمان بغرفتيه، باعتباره ممثلا للشعب، وبالتالي فإن ما تقوم به خديجة الرياضي ورفاقها في النهج، لا يعدو أن يكون مجرد تطفل على صلاحيات المؤسسة التشريعية، و تطاولا على إرادة الناخبين التي اختارتها، وهذا انتهاك صريح لحق من حقوق الإنسان.
وفي أي بلد ديمقراطي، لا يحق لأي أحد سواء أكان شخصية مادية أو معنوية أن يهبط للشارع من دون رخصة، مادامت هناك إجراءات تنظم هذا الحق، منصوص عليها في ظهير الحريات العامة، أما أن يصر حوالي 50 شخصا على التظاهر خارج هذا القانون، فإن ذلك يعني أنهم يبحثون عن الفوضى، لأن الشارع ليس ملكا لهم، وإنما هو ملك للعموم، يحق أن يتجول فيه المواطنون بهدوء من دون أن يزعج راحتهم أحد في عطلة نهاية الأسبوع، وبالتالي فإن تفريق الوقفة يدخل في إطار حماية هذا الحق... حق الأغلبية الساحقة من الشعب.
والواقع أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وبقايا حركة 20 فبراير تقوم بعملية استنطاق للأرقام بغية انتزاع اعتراف منها ( أي الأرقام)، وبالتالي الإدعاء بأن هذه الميزانية مرتفعة.
ولهذه الغاية تعقد السيدة خديجة المقارنات، في دون محلها، وتترجم هذه الميزانية إلى سنتيمات ودراهم وأوروات، وكل ذلك لإقناع (نا) بأنها على حق، وهي تعلمأنها على باطل، ويكفي أن فرائصها ارتعدت عندما أعلن الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني أن وزارته ستكشف عن حجم الدعم الذي تتلقاه الجمعيات من الخارج، واعتبرت أنذاك أن الإقدام على هذه الخطوة سيكون بمثابة "تصفية حسابات"، فلماذا لا تعلن إذن للرأي العام عن المبالغ التي تتلقاها من الخارج، والجهات المانحة، وأوجه الصرف أم لأن هذه الأموال غير مبرمجة في أبواب الميزانية العامة، فلا حديث عنها؟
ومن نافلة القول تكرار أن ميزانية القصر الملكي، ليس سرا من أسرارا الدولة، بل تنشر كل سنة، و تُعرض على البرلمان الذي يصادق عليها بالإجماع، لأن ممثلي الأمة يدركون الكلفة الحقيقية للديمقراطية مهما توهم البعض أنها جد مكلفة. وإذا كانت السيدة خديجة لا تؤمن بهذا المنطق فعليها أن تُفصح عن نوايا جمعيتها الحقيقية من دون لف ولا دوران... مادامت ميزانية البلاط واضحة وضوح الشمس في يوم جميل، ولا تلبد سماءها النوايا الخسيسة.
رشيد الانباري