بديعة الراضي*
لم تتمالك المهاجرة المغربية زينب السملالي نفسها وهي تصيح بصوت عال أمام مرآى ومسمع أفواج السياح من مختلف الجنسيات الذين حجوا الى ساحة العلويين ليتمتعوا بموقع الساحة المقابلة للقصر الملكي بفاس، قالت زينب والقهر يعلو محياها وعيناها جاحظتان والكلام يتقطع في لسانها من شدة الغضب :" انظروا ماذا يفعل بنكيران ،لقد احتلت كتائبه منزلي بالقوة ،انظروا لقد كسر الحزب الذي صوت عليه المغاربة جدار بيتي، انظروا الى الحزب الذي يتحدث باسم الفقراء هاهو اليوم يريد أن يشرد الفقراء من أجل أن يقيم فضاء للدعاية الانتخابية انظروا ، لن أسكت يجب أن يعرف ملكي بأفعال كتائب رئيس الحكومة."
اختارت المهاجرة أن توصل معاناتها باللغة الفرنسية التي تتقنها لأنها عاشت شبابها بل كل عمرها تكد وتجتهد من أجل أن تأتي يوما الى حضن بلدها لترتاح من معاناة السنوات الطويلة، و لتأمين حياتها فقط بمسكن يأويها صحبة أطفال إخوانها وأخواتها هؤلاء اللذين أفقدهم الزمن الرديء طعم الحياة.
كانت شمس فاس ذلك اليوم تتمزق لاستقبال شتاء دافئ، وهو مقدمة لأمطار غزيرة سيعرفها أسبوع الاحتفال بعيد الأضحى . لم يكن الاحتفال كالاحتفال في بيت زينب، الباب مكسر وركام الاسمنت و الأجور متراكمة في المدخل و فوق السطح. والبرد الذي بدأ يشتد في اليوم الموالي للعيد تسرب الى الأجسام فاصفرت وجوه العائلة المنكوبة ، نظرت زينب الى أهلها الفقراء ودموعها تتساقط طالبة الرحمة، متوسلة لإنقاذها من جبروت كتائب بنكيران، الذين أصبحوا زوارا لليل والنهار رغم أنف سكان البيت الذي يحوي ما تبقى من ورثة السملالي وهم هؤلاء النساء بصغارهم وشبابهم المعطل، قالت زينب أنهم قالوا لها أن واحدا من عائلة السملالي وهب لهم البيت من أجل زمن محدد وهو زمن الانتخابات المحلية، وبعد ذلك سيذهبون الى حال سبيلهم، كما قالت زينب أن باشا المدينة أعطاهم رخصة ليعتوا في البيت خرابا، وقالت زينب أن أحدهم قال لها أننا الأقوى والكل رهن إشارتنا ومع ذلك جئنا " لنطيب خاطرك" وأضافت أن أحدا منهم قال لها سنوظف أبناء إخوانك وسنساعدك، ولكن بشرط أن تنظمي الى حزب العدالة والتنمية. وقالت زينب لقد عشت في عاصمة الأنوار وأعرف القانون وهؤلاء محتالون ويريدون أن يأخذوا بيتي، وقالت زينب أنا كنت أحلم أن أجعل من هذا البيت استثمارا كبيرا لأهلي الفقراء ولهؤلاء الشباب أبناء أخواتي وإخواني لأساعدهم على أن يعيشوا في كرامة كباقي الناس، وان لا ينحرفوا ويضيعوا في دروب القهر والظلام ولهذا السبب عشت زمن الغربة كله من أجلهم دون التفكير في الزواج والأولاد، لأن هؤلاء أولادي. وقالت زينب أن حزب الرئيس يساومني في انتمائي ويستغل المشكل القائم بيني وبين أخي ليبقى البيت موضع نزاع دائم بين الورثة، لكن -تضيف زينب- لن أستسلم فأنا أعرف أن ابن أخي يريد أن يرشي الحزب ليجد مقعدا محليا له في الانتخابات المقبلة. تذكر زينب جدا أن أعضاء من حزب العدالة والتنمية الذين سمتهم " بكتائب بنكيران" قد وعدوها بمغادرة بيتها عندما قدمت لهم جميع الأوراق التي تثبت أن البيت موضع نزاع بين ورثة السملالي وان أخاها المنتمي الى حزبهم قد يسبب لهم مشكل قانوني كبير، وحذرتهم من ولوجها الى الرأي العام في حالة عدم مغادرتهم للبيت فورا ، وأن ذلك ليس في صالحهم خصوصا وأن حزبهم يقود حكومة يرفع فيها شعار محاربة الفساد. لكن هذه الكتائب كانت كاذبة –تقول زينب- لقد ترصدوا غيابها واعتقدوا عودتها الى الديار الفرنسية لينقضوا من جديد على المسكن متممين خرابهم أمام مرأى ومسمع سكانه المغلوبين على أمرهم والذين هم تحت حماية زينب المرأة التي تعي ما معنى القانون، لكنها تقر بأن أخواتها وصغارهم وأزواجهم العاطلين خائفون وهم يعتقدون-تقول زينب- أن رئيس الحكومة سيدخلهم السجن إن هم تصدوا لجبروت كتائبه.
كنت أسمع زينب وأنا أنظر من غرفتها في الطابق الثاني الى القصر الملكي بفاس، وقلت مع نفسي من أين جاء هؤلاء الملتحون، بكل هذه الجرأة ليحتلوا منزلا للفقراء على بعد أمتار من القصر الملكي، وهم الذين صدعوا مسامعنا بتكرار أنهم يحاربون التماسيح والعفاريت في كل مكان حتى في محيط القصر نفسه ، هؤلاء ورغم كل ما يقوله " تجار محاربة الفساد" عنهم لم يتجرأوا أن يهدموا بيوتا متآكلة وآيلة للسقوط وهي في واجهة حساسة جدا للقصر الملكي في ساحة العلويين.
قالت زينب أنها لن ترحل من بيتها لأنها تفتخر أنه بيت مقابل لقصر ملكي، أتاح لها هي وأسرتها أن تخرج لتحية الملك الشاب كلما وطأت أقدامه الشريفة تراب فاس العتيقة.
وقلت في نفسي ماذا يريد حزب العدالة والتنمية من كل هذه الممارسة الانتخابية التي أفقدته كل صوابه من أجل أن يحتل مساكن ومقاعد هذا الوطن بقوة السلطة الدينية مرة وقوة السلطة الإدارية مرة أخرى؟ فاللهم الطف بنا من هذا الطوفان الآتي الى فضاءاتنا المستعمل لسفينة الدين، لكي لا تغرقنا هذه السفينة في وحل بدت تشم رائحته في ممرات الدرب الأليم.
* كاتبة وصحفية بجريدة الاتحاد الاشتراكي