أضيف في 15 نونبر 2012 الساعة 11 : 13
هل يمكن أن نناقش بعضنا اليوم في المغرب بكل هدوء؟
لا. الجواب هو لا، وبكل قطعية لا تقبل أي نقاش. ومن تابعوا ردود الفعل التي أعقبت مؤخرا مشاركة زميلتنا سناء عاجي في برنامج “مباشرة معكم”، أو تابعوا عبر الأنترنيت ما يتعرض له حملة لواء الدفاع عن الحريات الفردية في البلد سيفهمون أن الأمر غير ممكن نهائيا.
الانتقال يتم بسلاسة وسهولة نحسد عليهما بالفعل من النقاش حول الأفكار إلى السب والشتم، وبكلمات نابية، تشعر المستهدفين بالهجوم أنهم أخطؤوا المجتمع وهم يعتقدون أنه من الممكن أن تتوجه إلى هاته الجموع التي تسب بعبارات مسكوكة بعناية، ومستندة على مرجعيات فكرية تحاول جاهدا بناءها على أساس واضح، قبل أن يأتي شخص مجهول من وراء لقب مستعار في الفايس بوك أو التويتر، ويسب قبيلتك وأجدادك ويصفك في الوقت ذاته باللواط والسحاق والجنس الحداثي (أحد المنتقدين اتهم العاجي بممارسة الجنس بطريقة حداثية، كذا)، مقفلا بذلك باب النقاش، وفاتحا باب المعيور.
فإن كنت من متقني السب، وممن لا يتهيبون هذا المجال الشاسع والعجيب، تحولت إلى فرزدق أو إلى جرير وسايرته في السب إلى أن يقضي رب الجهل والعلم أمرا كان بينكما مفعولا. أما إن كنت ممن يحسبون للكلمة حسابها، توقفت وقررت أن تطوي صفحا عن الموضوع كله.
ومع ذلك سيظل السؤال يطاردك: لمن هذه المعركة بالتحديد؟
المفروض أنها لهذا الشعب. لبوزبال مثلما يطلق على نفسه في الأنترنيت، والمفروض أنها لتاريخنا المشترك القادم جميعا، الذي لا ينبغي أن يخشى من أكثر الدعاوى تحررا أو حتى “تفسخا وانحلالا”، طالما أننا مجتمع يقول عنه نفسه بأنه “محصن وأنه استطاع الحفاظ على قيمه منذ قديم التاريخ”.
لكن الذي يقع هو العكس. وناسنا يبرزون تخوفا دالا للغاية من أي دعوة مختلفة لممارسة الحياة بشكل مغاير. والخطير في كل هذا هو أن المسألة خلف الحاسوب تخضع لعمل واضح التنظيم، يشرف عليه متطرفون فعليون، يضعون لائحة بالأسماء التي يجب أن تتعرض للهجوم الدائم، ولتشويه أفكارها من أجل إظهارها للرأي العام بصورة المسوخ والكائنات القادمة من أجل هدم المجتمع وقيمه وأفكاره, ومهاجمة دينه، والترويج لأكثر الأطروحات قدرة على نقض كل ما أسست عليه هذه الأمة توافقاتها، حقيقية كانت أم زائفة.
ما يستهله المتطرفون “اللطيفون” علانية في الجرائد من خلال التلميح، يكمله المتطرفون “الأشرار” في الأنترنيت بالتصريح. ولولا حسن الحظ الذي وضعنا في بلد قادر إلى اليوم على كبح جماح المرور من القول إلى الفعل، لسبقنا المشرق المريض إلى تصفية كل المخالفين لرأي الجموع، ولشيعنا يوميا واحدا من أصواتنا المختلفة إلى أن تنقرض، فلا يبقى إلا الريسوني والحدوشي وصحبهما ممن يرسمون شكل المجتمع المغربي القادم مثلما يتخيلونه.
وقصدا أحاول، ويحاول عدد كبير من المحسوبين على التيار العلماني الحداثي المغربي، أن نفهم سر عدم القدرة لدى الصف الآخر على الحوار والمناقشة، مع ادعاء الاستناد إلى الدين وكل المقومات الأساسية للمجتمع وعن سبب الجنوح السريع للسب والشتم والألفاظ النابية مما لايحل الإشكال أبدا، فلا نجد إلا الجهل كجواب.
وأعترف أنني أكره من يسبون الشعب، أو من يفسرون كثير الأمور بأميته, لكن كثير المسائل بالفعل لا تفسير لها إلا هذا الأمر. نعم شعبنا تعرض للتجهيل، وهذا ليس ذنبه، وتعرض لغسل الدماغ، وهذه ليست خطيئته، وتعرض لغير قليل من الدفع نحو اعتناق التخلف كحل، لكن الأمر لا يعفي الأناس المحدثين، من وافدنا الجدد من واجبهم، وقد فكوا أمية الخط، أن يفكوا أمية الفكر، وأن يكلفوا أنفسهم عناء المحاورة بالمحاورة لا بالسب والشتم.
وكم يؤلمني مشهد جامعيين أو أناس يشتغلون في مهن محترمة للغاية، لا يجدون كلمات يكملون بها نقاشاتهم في الفيسبوك أو غيره من منتديات التواصل سوى أن يلعنوا ويسبوا، وأن يشوهوا الكلام, وأن ينهوا الكل بالدعاء على مخالفيهم والسلام.
الأمر لا يحل الإشكال، بل يزيده استعصاء، والأفكار التي تزعج في المغرب اليوم تستمد قوتها من خاصية الإزعاج هاته، لأن الأفكار الأخرى التي تقبلها الجموع، وتجد فيها لذتها، وتداعب اتجاه الزغب دليها هي أفكار ستبقي الوضع على ما هو عليه، ولن تحمل لنا أي جديد.
لذلك وجب على الآخرين فعلا إيجاد طريقة ما لقبول هاته الأفكار والتعايش معها، ومحاولة مناقشتها بالعقل والحجة والدليل، عوض سب أصحابها واتهامهم بأبشع الأوصاف، ومحاولة قمعهم إن بشكل حقيقي أو بشكل افتراضي عبر مهاجمة صفحاتهم في الأنترنيت، واختراق حساباتهم الشخصية.
البشرية التي وصلت في حدود تطورها إلى جعلنا نحيا في قرية صغيرة بكبسة زر بسيطة هي بشرية لن تقبل بهذا التعامل الهمجيو مهما بدا اليوم قويا أو قادرا على الصراخ بأعلى صوت.
يجب أن تكون لدينا القدرة على الإنصات إلى الأكثر صوابا لا إلى الأعلى صوتا. ترانا نتذكر هذه القولة في يوم من الأيام؟
|