أضيف في 14 نونبر 2012 الساعة 20 : 21
الآن، لا يمكن إلا لجاحد أن يستمر في التشكيك في إرادة المغرب في بناء صرح حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، كما جاء، لأول مرة، في ديباجة دستور 1992. فعلى مدى عقدين من الزمن شرع المغرب في وضع لبنات هذه الثقافة، وفتح كتاب الانتهاكات الأليم، واستمع إلى الشهادات علنية، وعوّض الضحايا، وطور الترسانة القانونية التي تحمي هذه الحقوق، وفتح أبواب السجون أمام المنظمات الوطنية والأجنبية، وتحمل عبء الحملات المسعورة التي يقودها الخصوم، والانتقادات المبنية على مجرد إدعاءات، والتي تتلقفها بعض الجمعيات التي تُعنى بحقوق الإنسان من دون إقامة الحجة. الآن، صادق المغرب على بروتوكول مناهضة التعذيب وبروتوكول التمييز ضد المرأة، ليخرس بذلك كل الأفواه، التي كانت "تتاجر" بالبروتوكولين، وتزايد بهما، وتتخذهما حائط مبكى من أجل العويل والصراخ. مصادقة المغرب تأتي مباشرة بعد صدور تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أوضاع السجون، وهو التقرير الذي كان أكثر جرأة مما توقع الجميع، وأقر بوجود حالات للتعذيب بسبب النزوات المرضية لبعض السجانين، لا تنفيذا لسياسة ممنهجة في هذا الباب. ويهدف هذا البرتوكول إلى إنشاء نظام وقائي قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئات دولية ووطنية مستقلة للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم, وذلك بغية منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة. بموجب هذا البروتوكول المصادق عليه تنشأ لجنة يطلق عليها اسم "اللجنة الفرعية لمناهضة التعذيب" كي تؤدي عملها في إطار ميثاق الأمم المتحدة، وتسترشد بمبادئ السرية والنزاهة وعدم الانتقائية والشمولية والموضوعية, ويكون عملها محل تقرير سنوي يقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب. وطبقا لهذا البروتوكول, تتعهد الدول الأطراف باستقبال اللجنة الفرعية المذكورة، وتيسير سبل وصولها إلى أماكن الاحتجاز، وتزويدها بكافة المعلومات ذات الصلة، وتشجيع وتيسير اتصالات اللجنة الفرعية بالآليات الوقائية الوطنية، وبحث التوصيات التي تتقدم بها، والدخول في حوار معها حول تدابير التنفيذ. وبهذه المصادقة يحقق المغرب قفزة نوعية في الانخراط في المنظومة العالمية لحقوق الإنسان، ويؤكد أن هذا الاختيار هو اختيار استراتيجي لا رجعة فيه، خاصة وأن الدستور الجديد أعطى في ديباجته للاتفاقيات الدولية السموعلى القوانين الوطنية، وتضمن ميثاقا للحقوق والحريات في بابه الثاني.
رشيد الانباري.
|