جاء انتصار الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إعادة انتخابه الأسبوع الماضي، وعلى شاكلة كافة الانتخابات الوطنية في الولايات المتحدة، ليعد بإحداث تأثير عميق في الحزب الديمقراطي الذي فاز، وفي الحزب الجمهوري الذي خسر، وفي الدولة ككل، وبالطبع في العالم أجمع والذي يتأثر بشدة بسياسات أمريكا في العالم، ولا يُستثنى المغرب من ذلك.
لقد جاءت هزيمة المرشح الرئاسي الجمهوري “ميت رومني”، والتي واجهها بالطبع مؤيدوه العديدون بمرارة، لتطرح ضرورة إعادة تقييم الاستراتيجية الأساسية للحزب الجمهوري، والتي تشمل سياسة اقتصادية محافظة، وسياسة خارجية أكثر حدة، وسياسة اجتماعية محافظة على نحو متزايد، والتي تفرض تعامل قاسي مع المهاجرين غير الشرعيين وإنكار حق المرأة في إجهاض جنينها. فهذا المزيج من السياسات لم ينجح بصراحة، خاصة نتيجة لعدم رواجه وسط الناخبين من الإناث وعائلات المهاجرين من أمريكا الجنوبية، والذين يلعبون دور حاسم في الانتخابات بفضل أعدادهم الضخمة. والآن ونتيجة لذلك، ينادي عدد متزايد من الجمهوريين بضرورة إعادة النظر في هذه السياسات، وبوجه خاص، فإن بعضهم ينادون بإيجاد تواصل أكبر مع الناخبين في المدن والمناطق الفقيرة، وتلطيف موقف الحزب الجمهوري حيال القضايا الاجتماعية.
وفي غضون ذلك، يشعر الحزب الديمقراطي بالمنعة بفضل انتصاره، وسوف يواصل نهجه الذي اتخذه طوال السنوات الأربع الماضية. الأمر الذي يعني تواصُل السياسات على أساس الليبرالية الاقتصادية، وضخ تمويل أكبر لبرامج الرفاهية الاجتماعية محلياً. كما يعني اتخاذ مسار حذر ولين نسبياً على الساحة الدولية، وكذلك فيما يتعلق بإيران. لكن وفي حين أن السياسة المرتقبة للرئيس ستظل على الأرجح كما هي، إلا أن اثنين من أهم ممثليه في حقل الشؤون الخارجية سيرحلان ويحل آخرون محلهما. فقد أعلنت وزيرة الخارجية “هيلاري كلينتون” عزمها ترك منصبها، لتُجهز بذلك على الأرجح لحملة مستقبلية للترشح كرئيسة للولايات المتحدة في العام 2016. كذلك قام هذا الأسبوع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الجنرال “دايفيد بترايوس” بالاستقالة على نحو مفاجئ. وادعى بأن السبب في تقديمه استقالته هو علاقته الجنسية مع امرأة أخرى غير زوجته، وذلك برغم طرح تساؤلات حول ما إذا كانت هناك أسباب أخرى وراء هذا القرار. وعلى أي حال، فإن من سيحل محل هاتين الشخصيتين الرائدتين سوف يساهم في رسم المسار المستقبلي لأمريكا على المشهد العالمي.
وكان يُعتقد على نحو واسع حتى وقت قريب بأن المنافسين الاثنين على منصب وزير الخارجية الأمريكية هما “سوزان رايس”، سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، والسيناتور “جون كيري”، المرشح الرئاسي السابق. وقد عُرف عن “رايس” بأنها شجعت الرئيس أوباما على التدخل عسكرياً في ليبيا لمنع ما ارتأته إبادة جماعية وشيكة. وكذلك فيما يخص المغرب، فإنه يُعتقد بوجود تعاطف أكبر لديها مع الموقف الجزائري حيال الصحراء المغربية مما هو لديها مع الموقف المغربي، الأمر الذي يمثل مصدر قلق كبير لمؤيدي المغرب العديدين في الولايات المتحدة. ولكن في هذا التوقيت، يبدو أن “رايس” لن تصبح وزيرة الخارجية الأمريكية. ذلك أنها أصبحت عبء على إدارة الرئيس أوباما بسبب تعاملها السيء مع أزمة تفجير القنصلية الأمريكية في بنغازي في شهر شتنبر، حيث أخبرت الإعلام مراراً وتكراراً بأن الفيلم المُعادي للإسلام والذي تم بثه على موقع “يوتيوب” كان هو السبب في اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي، في حين تبين في الواقع أن مجموعة منتمية لتنظيم القاعدة في دول المغرب الإسلامي قامت بتدبير عملية الاغتيال في وقت سبق عرض ذلك الفيلم.
وإن أصبح “جون كيري” وزيراً للخارجية، فسيكون بذلك لدى الولايات المتحدة شخصية محنكة ومتمرسة في مجال الأمن القومي تلعب دوراً محورياً في سياستها الخارجية. إلا أن هناك مخاوف تتعلق بمدى فهمه للمشكلة المغربية، على سبيل المثال، فإنه وقبل الحرب الليبية، لم يكن يدرك خطورة التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة في دول المغرب الإسلامي، ولم يستطع توقع إمكانية انتقال جبهة البوليساريو إلى ليبيا عبر الجزائر للقتال لصالح القذافي. وقبل الحرب الأهلية في سوريا، قام “كيري” بزيارة “بشار الأسد” في دمشق عدة مرات وأعلن بأن الأخير هو ديمقراطي إصلاحي. وبذلك تكون قدرة “كيري” على تطويع وتعديل وجهة نظره بالاستناد إلى هذه الخبرات والتجارب السابقة هي الفيصل في ظهوره على الساحة كوزير خارجية ناجح.