غاديين يسمحو لينا بزاف إخوتنا من أهل الغرفة الثانية في البرلمان المغربي، لكن مشهدهم يوم الأربعاء الماضي كان كالحا، بئيسا، مظلما، وهم يناقشون بطريقتهم العجيبة مشكل النقل مع وزيرنا الأول أو رئيس حكومتنا. لعله أثر المشهد الآتي من الليلة التي سبقت بث جلستهم. لعله مشهد أوباما وأمريكا وهي تمارس ذلك الطقس الخرافي المسمى الديمقراطية بكل حضارة. أو لعلها أشياء أخرى لا أستطيع تفسيرها، لكن عندما رأيت ادريس الراضي يوقف الجلسة في بدايتها لكي يتحدث عن تأويل الفصل 100، وعندما سمعت بيد الله يتحدث عن تقليص ثلاث ساعات إلى ساعتين، وعندما أنصت إلى برلماني محترم يتحدث عن “لا تسرع يا أبي فنحن في انتظارك”، وعن حكومة بيو، وعن الشينوا والجابونيين اللي جابو لينا الصواريخ، أحسست بإحساس واحد لا ثاني له هو الحكرة.
قلت لنفسي إن الشعب المغربي شعب موعود إن شاء الله بالجنة في الدار الآخرة. شعب يصبر على مثل هاته الطبقة السياسية لا يمكن للعناية الربانية إلا أن تتداركه غدا في دار الحق، وستراعي له كثيرا المراعاة ماعاناه في الدار الدنيا، وستقرر العفو عن كل زلاته بإذن الله.
شعب مثل شعبنا كل شيء مغفور له، فهو يفتح البارابولات ويلتقط عبرها المشاهد الحضارية الكبرى لأناس يفهمون معنى السياسة، ويدركون كنهها. يحترمون بعضهم رغم القتال الضاري من أج الفوز، وفي الختام يتقبلون صوت الشعب بكل أريحية ويمضون. يصنعون مستقبل أبنائهم والأحفاد من خلال هاته الانتخابات، لذلك يهتمون بها، ولذلك يقفون في صفوف طويلة جدا على امتداد النهار من أجل إيصال أصواتهم. يعلمون علم اليقين أن ما سيقررونه هو الذي سيكون وأن الأغلبية الفعلية، الحقيقية، القارئة، الواعية، هي اتي ستحدد للبلد شكل مستقبله، ونوع الأيام التي تنتظره.
شعبنا عندما يقفل البارابول ويولي الوجه نحو البلد، يجد القيادات السياسية التي تعرفونها. يطرح على نفسه السؤال بكل جدية: “هل حقا أنا المسؤول عن وصول هؤلاء إلى هاته المرحلة الميؤوس منها من كل شيء؟”. لا يجد الجواب. يترحم على ادريس البصري على سبيل العزاء ويقول إنه هو الذي بدأ مسلسل تمييع الحياة السياسية بهذا الشكل إلى أن استحالت إلى ماهي عليه اليوم.
رأينا في انتخابات الأمريكان برلمانية ديمقراطية أًصيبت برصاصة في رأسها، وعادت بكل قوة وعناد إلى الحياة، ويوم الثلاثاء كانت من أوائل المصوتين. تذكرنا كل المضروبين لدينا “بفليطوكس” ممن يعتقدون أنهم فعلا سياسيون، وتساءلنا “والبكية شادانا”: ماهو الحل؟
حتى الشباب الذين دخلوا البرلمان من بوابة الأربعين سنة العجيبة، والذين اعتقدناهم سيفهمون اللحظة السياسية الجديدة، وسيغيرون كل شيء، استكانوا إلى الأسئلة الشفوية التافهة التي لا روح فيها، وأصبحوا ينسجون على منوال السابقين، ودفعونا دفعا إلى طرح السؤال الآخر: هل كان الهدف هو إدخالهم إلى البرلمان والسلام؟
لا أحد منهم صنع حدثا يوما. لا أحد صاح صيحة الشباب فعلا, ودفع المترهلين للإنصات إلى أصواته. الشيء الوحيد الذي أتقنوه هو التعرف على أرقام مقاعدهم، والصفوف التي سيجلسون فيها، وبعد ذلك كان النوم، أو كان الغياب.
ثم زادها المجلس الأول استفحالا وقرأ علينا في افتتاح الجلسة العامة ليوم الإثنين أسماء المتغيبين عن الجلسة. تذركنا المدرسة الابتدائية, وتذكرنا الإعدادية، وتذكرنا الثانوية، وتذكرنا حراسنا العامين الطيبين، وتذكرنا الناظر وأنت تقف أمامه لكي تختلق آلاف الكذبات عن سبب تغيبك، والتفتنا نفرك الأعين متسائلين “هل حقا تعلق الأمر ببرلمان؟”
وجدنا الإجابة بسرعة: نعم هو برلماننا، وهم مشرعونا وهي مصيبتنا في دنيانا وحياتنا السياسية أن مثل هؤلاء هم من سيسنون لنا القوانين التي سترهن مصائرنا ومصائر أبنائنا في الأيام القادمة. نعم هم الناس الذين نعرف بهم أنه من الممكن أن نكتب آلاف الدساتير الجديدة، لكننا سنبقى عالقين في القديم العتيق الذي يكبل أقدامنا ويمنعنا من السير إلى أي مكان. نعم هم المصيبة المسماة نوابنا مع استثناء الصادقين القلائل من بينهم من العاجزين عن تغيير صورة هاته المؤسسة في أعين الناس.
وبعد، ما الحل؟
هناك حل وحيد، بسيط وسحري. يسمى مرة أخرى التلفزيون. لحسن الحظ أن الحدود زالت في هذا المجال، وأنه من الممكن أن تتماهى مع أي شعب أو أي بلد ترى أنهما يحققان لك النزر اليسير من احترام ماتعتبره ذكاءك لازم التقديس.
في الكرة, في السياسة، في الثقافة، في بقية مناحي الحياة، نتفرج على الآخرين ونحن نتخيل أنفسنا منهم. من قال إننا نعيش حقا أيها السادة؟