لا يمكن حصر الديمقراطية في مسار واحد، هو دستور جديد، و انتخابات نزيهة، وحكومة منبثقة من صناديق الاقتراع، لأن الديمقراطية مسارات متعددة من أبرزها مسار حقوق الإنسان.
لقد اختار المغرب الانخراط في هذا المسار قبل وضع الدستور الجديد، وانتخاب برلمان جديد. ذلك أن المغرب أدرك أهمية حقوق الإنسان في ترسيخ الديمقراطية وكانت أول خطوة نفذها، هي التصالح مع ذاته وقراءة تاريخه، بكل شجاعة ومسؤولية من خلال هيئة الإنصاف والمصالحة ، التي دشنت عملها بجلسات استماع عمومية باح خلالها ضحايا الزمن الماضي بكل ما خزنته ذاكرتهم من معاناة، فتقبلوا بوطنية ما قدمه لهم العهد الجديد من إجراءات لجبر الضرر فرديا وجماعيا بل و جهويا و من تم سارت عملية إصلاح الضرر الشخصي والجماعي و الجهوي والتي لازالت متواصلة حتى الآن.
هذا المسار المتميز أصبح تجربة رائدة في العالم اعتبرته الأمم المتحدة قدوة نصحت الدول الساعية لدخول نادي الدول الديمقراطية الحقيقية إلى الاقتداء بها. فالتجربة المغربية الفريدة شكلت لبنة أساسية في مسار جديد في الورش الحقوقي عززه المغرب بالتقرير الذي نشره هذا الأسبوع المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول أوضاع السجون في المغرب.
هذا التقرير لم يتردد الفريق الوطني الذي أنجزه بعد جولة ميدانية في عدد من المؤسسات السجنية في كشف الاختلالات التي تعرفها المؤسسات الحرمان من الحرية والصعوبات التي تواجهها خاصة مشكل الاكتظاظ و الصحة والتغذية وتوفير ظروف إنسانية لنزلاء السجون.
و لم يكتف التقرير الذي نشر على العموم برصد هذه الاختلالات ، بل تقدم بتوصيات لإصلاح هذا الوضع، في طليعتها مراجعة القانون الجنائي، وشروط الاستفادة من العفو والعقوبات البديلة، إجراءات لا تتطلب إمكانيات مالية بل إجراءات تشريعية تقتضي تقدم النواب بمقترحات قوانين،والسهر على متابعته مسارها حتى تصبح تشريعات يجري بها العمل.
جانب أساسي تطرق إليه التقرير، وهو نفي وجود سياسة ممنهجة للتعذيب ، بل خلص التقرير الى نفس النتائج التي توصل إليها المقرر الاممي المكلف بمكافحة التعذيب السيد خوان مانديز الذي استجاب لدعوة من السلطات المغربية لزيارة المغرب والاتصال بمن يريد وزيارة أي مؤسسة سجنية قد تساعده في إعداد تقريره .
وكانت خلاصة المسؤول الاممي السيد خوان مانديز في تقريره الأولي هي رصد ممارسات فردية فقط وغياب التعذيب الممنهج . هذا التوجه تأكده التصريحات الصحفية لمندوب إدارة السجون الذي لم ينف وقوع مثل هذه الممارسات في السجون، إلا انه جدد التأكيد على أنها ممارسات فردية ومعزولة، وان كل من ثبت في حقهم التورط في مخالفات من الموظفين أحيلوا على القضاء ومنهم من هو الآن وراء القضبان .
جرأة وموضوعية تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان أخرست الأقلام المأجورة التي حاولت الركوب على جمل وعبارات من التقرير الأولي للسيد خوان مانديز وإخراجها من سياقها لتوظيفها في محاولة يائسة لضرب المسار الديمقراطي الذي اختاره الشعب المغربي بإقرار دستور جديد فتح ورش البناء الديمقراطي بكل مساراته لان الديمقراطية كما أسلفنا مسارات ولا يمكن اختزالها في حكومة وبرلمان .