بالرغم من أن النزاهة الفكرية تقتضي أن يلتزم أي إطار حقوقي، سواء أكان جمعية أو منظمة أو هيئة أو مرصد، الحياد التام، واعتماد الحقيقة لغة وحيدة في إعداد تقاريره، فإن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اختارت في معالجتها لزيارة الممثل الشخصي للأمين العام الأممي لمدينة العيون أن تكون خصما وحكما في نفس الوقت، فدبجت تقريرا، يغترف من مواقف نشطائها بالمدينة، الذين حرضوا على التظاهر بمناسبة هذه الزيارة، و أعدوا لذلك العدة اللازمة، ثم خطوه بمداد دعوتهم لتقرير المصير... من دون أن يقولوا لنا مصير من يقصدون هل هو مصير دعاة الانفصال أم مصير الأغلبية من سكان الأقاليم الجنوبية التي اختارت العيش في كنف وطنها، ولم تنل منها النعرات التي تقضم أجساد انفصاليي الداخل، الذين ليسوا سوى أعضاء الجمعية وحزب النهج "الديمقراطي" بمناسبة كل زيارة يقوم بها مبعوث أممي أو جمعية حقوقية للمنطقة.
والفضيحة الأولى، هي أن محرري التقرير، بشهادة التقرير نفسه، يدعون أنهم تعرضوا للرشق بالحجارة، وهو ما يعني أنهم كانوا طرفا، وكانوا وراء تحريض الأطفال، وبمقابل مالي، من أجل إضرام النار في بضع عجلات مطاطية، وأنهم هم من كان يقود تلك المظاهرات المفتعلة، بهدف صياغة التقرير، وهو ما يعني، في نهاية التحليل، أنهم هم من تولى صناعة الحدث التافه بهدف إخراج تقرير يبدو أنه كان جاهزا حتى من قبل أن يصل روس إلى مدينة العيون.
والفضيحة الثانية هي أن التقرير نفسه يدعي تعرض محرريه للرشق بالحجارة، من طرف عناصر أمن بالزي الرسمي والزي المدني، علما أن عناصر الأمن لا تعتمد أسلوب الرشق بالحجارة، وإنما الذي اتبع هذا الأسلوب هم انفصاليو الداخل الذين يقفون حائرين كلما وجدوا أنهم فقدوا بوصلة الدفع بفكرتهم إلى الأمام، خاصة أمام تعدد الحالات التي اختارت البقاء في المغرب، والانتساب للوطن مستغلة فرصة تبادل الزيارات بين العائلات من وإلى تندوف ومن و إلى مدن الأقاليم الجنوبية التي تشرف عليها المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
والفضيحة الثالثة، أن تقرير الجمعية استكثر على قوات الأمن أن تقوم بمهامها في حماية سلامة الممتلكات والأشخاص، لأن الأقاليم الجنوبية ليست أرضا سائبة بل جزءا من التراب الوطني يخضع لنفس منطق دولة الحق والقانون الذي يخضع له سائر المغاربة سواء في طنجة أو البيضاء أو وجدة أو أكادير أو الداخلة، إلا إذا كانوا يعتقدون أنهم في فلك معزول، ومن حقهم أن يعتوا في الأرض فسادا، وفي هذه الحالة سيكون من الأفيد لهم أن يتخلوا عن البطاقة الوطنية وجواز السفر الذي يمنحهم حرية التنقل باسم المملكة المغربية، من أجل اللقاء بأولياء نعمتهم الذين يوفرون كل الأموال من أجل التشويش على قضية محسومة.
أما الحقيقة الأولي التي لم تستوعبها الجمعية، ومن ورائها النهج هي أن كريستوفر روس، قد فهم الكثير من حقائق خلال هذه الزيارة، وأن المغرب لم يعد يخشى من زيارة أي كان للمنطقة، ولا من شغب أي كان، لأنه يدرك جيدا أن الأغلبية الساحقة من السكان تؤمن بروابط البيعة التي لها جذورها العريقة الممتدة عبر تاريخ طويل، وهي آصرة لم ينل منها لا الاستعمار الإسباني، ولا أطماع الجزائر، ولا حتى إدراج القضية على جدول أعمال مجلس الأمن والأمم المتحدة.
والحقيقة الثانية أن الذين يدافعون عن القضية أكثر بكثير من خصومها، وأن روس وقف مبهورا أمام تحليلات أولئك الذين أسسوا "البوليساريو"، وكانوا في قلب صناعة الكيان الوهمي، وأدركوا تفاصيل اللعبة، فاختاروا تلبية دعوة " إن الوطن غفور رحيم".
والحقيقة الثالثة أن المجتمع الدولي اقتنع أن قضية المغرب قضية عادلة، رغم لحظات الانحياز التي تظهر وتختفي تحت تأثير أموال النفط، والمصالح، والأطماع، لأن المثل يقول: le juste est fort، والمغرب صاحب حق لا ينازعه فيه إلا مرضى النفوس.
رشيد الانباري