فقدت الحكومة "الملتحية" كل التألق الذي سعت إلى حصده في البداية، وبدأ الشحوب يعلو سحنات وزرائها الذين فشلوا في استيعاب روح المرحلة التاريخية الحاسمة، وفي تسريع وتيرة تنزيل الدستور الجديد الذي توجهم في هذه المنزلة.
ويبدو أن ما أصبح يراهن عليه الفريق الحكومي هو الاحتفاظ بلقب وزير، وسيارة تحمل ترقيم 99، وفي أسوء الحالات تقاعد تكميلي مريح، بعدما غذت الحقائب في مهب الريح، وقد يعصف بها في أية لحظة ملتمس للرقابة أو قرار أحد مكونات الأغلبية الانسحاب من التوليفة الحكومية، التي بدأت تظهر التصدعات في صفوفها منذ انتخاب حميد شباط أمينا عاما جديدا لحزب الاستقلال.
وتماما كما في مباريات الملاكمة فقد رمى بعض الوزراء ب "الفوطة" في سماء الحلبة قبل أن يعلن الحكم عن نهاية المباراة، إيذانا بالاستسلام، كما فعل وزير النقل والتجهيز عزيز رباح الذي أصبح مشغولا بحوادث السير أكثر من انشغاله باللوائح التي دشن مهامه بالكشف عن إحداها من دون أن يكون لها المفعول السحري الذي توقعه...
أما نجيب بوليف، أستاذ الاقتصادي، ووزير الشؤون العامة والحكامة، فانحنى أمام صندوق المقاصة خاضعا مستسلما بعدما أدرك أنه ليس من الهين والسهل منع الدقيق والسكر عن بطون الفقراء، ولم يقترح أية خطة بديلة لإعادة النظر في طرق صرف الدعم، بعدما سبق للحكومة أن وعدت بتحويلات بنكية لفائدة المعوزين شريطة أن يتوفروا على بطاقة التأمين الإجباري عن المرض وعلى حساب بنكي..
وحده وزير العدل والحريات، المحامي، مصطفى الرميد لم يتعب بعد من خوض المعارك، فبعد أن قاد معركة شرسة ضد قانون الإرهاب، وضد منح صفة الشرطة القضائية لضباط " الديستي" أيام المعارضة، هاهو يخوض اليوم معركة شرسة ضد القضاة وكتاب الضبط وضد الصحافة وضد المعارضة، وكأن قدر الرجل هو الاقتتال بلا هوادة، وكأن الرجل لم يتكيف مع الموقع الجديد الذي يوجد فيه.
أما رئيس الحكومة السيد عبدالإله بنكيران، فلم يجد ما يتفنن فيه غير ممارسة فن النفي... نفي كل ما يصدر عنه بمجرد ما يكتشف أنه "زلة لسان" أو ما يصدر عنه وزراءه الذي لا يتقنون سوى فنون الكلام.