لقد عاد كريستوفر روس إلى منطقة شمال إفريقيا في ظل مستجدات حول المحيط الإقليمي للملف القديم الجديد "الصحراء المغربية"،المحيط المحفوف بمخاطر جمة تتجلى في التداخلات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة.في نفس الوقت تزور الجزائر كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هذه الزيارة التي وصفت بأنها لتنسيق الجهود من أجل محاربة القاعدة في الغرب الإسلامي،و تكثيف المساعي للدفع بتدخل عسكري لازالت الجزائر تتحفظ فيه نفس الدولة عازمة على لعب دور متصلب في قضية الصحراء المغربية رغم أنها متضررة بأشكال متفاوتة من الملف الحارق لمن لم يتوخى التعامل معه بحذر فهناك علاقات مشبوهة بين عناصر من المتمردين في شمال مالي و البوليساريو أكد عليها أكثر من مراقب .
في نفس الوقت يبدو أن جبهة البوليساريو لازالت متمسكة باستفتاء تقرير المصير ،بمعايير لم تعد صالحة و متماشية مع مقررات مجلس الأمن المتوالية التي أكدت كلها على حل سلمي توافقي المناقض لطرحها الإنفصالي،أما إبقاء الوضع على ما هو عليه فرهان لا يجب الارتكان إليه.المملكة المغربية لم تتوانى على مد اليد من أجل المرور بالملف إلى طريق يتوافق عليه الجميع في إطار الحكم الذاتي، فالحماس المبني على الشرعية التاريخية و حب البقاء هما ما يرتكز عليه المغرب في الدفع بالأمور إلى التحسن.
أكيد أن كريستوفر روس لم يأتي إلى المنطقة من أجل الدردشة فقط أو رحلة استجمام ،وكان من البديهي أن يكون استقباله من قبل الملك محمد السادس من اجل توضيح وجهة نظره حول جولته الحالية بعد أن لاحت غيوم من عدم الثقة على علاقات المملكة مع المبعوث الأممي عندما حاد عن مهمته الأصلية في الوساطة و انحاز الى الطرف الآخر بشكل لا يليق بمهمته،هنا يمكن لروس أن يعرف الكثير عن الجغرافية السياسية للمنطقة لكنه يجهل الكثير عن روح التاريخ و المكان و هو الفخ الذي وقع فيه الذين تناولوا الملف من قبله. من هنا يمكن استخلاص النقط الخمسة التي أتى من أجلها كريستوفر روس في مهمته الحالية.
1 إصلاح الأعطاب التقنية و السياسية بينه و بين المملكة و التي كان سببا فيها بتدخله بشكل سافر في سيادة المغرب ،و سعيه لاستعادة ثقة الرباط و ذلك بتنزيه وساطته عن أي شيء يعكرها والبرهنة على جديته في مهمته و ذلك بتقديم الجديد و المثير في جعبته الدبلوماسية. أنه وسيط نزيه وهذا أمر يبدو في غاية الصعوبة، اللهم إلا إذا حمل "روسي" في محفظته مخططا يعيد الاطمئنان إلى الجانب المغربي، وخلاف ذلك فإن الحوار بينهما سيكون بدون جدوى.
2 زيارة روس للمغرب أولا قبل الدول الأخرى ذات العلاقة مع الملف تأتي في إطار تصحيح مسار مهمته التي كلفه بها الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" وفق ما حددته قرارات مجلس الأمن وذلك بتيسير المفاوضات المباشرة بين جميع الأطراف للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول.
3 يحاول التغذي من تجارب المفاوضات الرسمية تحت رعاية سلفه والمحادثات غير الرسمية تحت رعايته شخصيا من اجل بناء تقنيات جديدة للتفاوض لإحراز تقدم ملموس يهدف إلى إنعاش تلك المفاوضات نحو حل سياسي نهائي وتوافقي حول الصحراء المغربية.
4 الإرادة الصادقة للمساهمة في التوصل إلى حل إنساني و سياسي ينهي معاناة الأسر المشتتة ، لتعزيز التكامل في المنطقة وإحلال الأمن و الاستقرار في شمال إفريقيا والساحل على اعتبار ما يقع في شمال مالي يمثل تهديدا بانتشار الفوضى العابرة للحدود الإقليمية و الدولية.
5 صياغة ملاحظات استنتاحية سينقلها المبعوث الأممي إلى الأمين العام للأمم المتحدة سوف تأخذ بعين الإعتبار المساعي الحقيقية لكل الأطراف بدون تحيز ،و لابد من يأتي تقريره لمجلس الأمن في أواخر شهر نوفمبر المقبل مغايرا لم قدمه سابقا و كان عامل تشويش على ملف الصحراء الحساس.
هنا لابد من التذكير بالعقيدة الأمنية للجارة الجزائر و توجهها العام و مبادئها العامة المستمدة من ركائز عدم التدخل في شؤون الآخرين،و ذلك لتحقيق تقدم في مسلسل تسوية هذا الملف في إطار من التحلي بالواقعية و روح حسن الجوار و التعاطي مع مقترح المملكة المتمثل في الحكم الذاتي الموسع.أيضا يتصاعد الكثير من الضجيج الذي تثيره جبهة البوليساريو حول مجال حقوق الإنسان في المغرب تساندها منظمات دولية فكيف سيتعامل كريستوفر روس مع هذه الإشكالية ؟ مع العلم أن البوليساريو أصبحت مرتعا خصبا لترويج المخدرات و الأسلحة و التجارة في الرقيق و التهريب بأشكاله ونهب متواصل للمساعدات الإنسانية المقدمة من طرف المفوضية السامية لغوث اللاجئين والمنظمات الأخرى.
هذه مناسبة للتأكيد على ضرورة تحقيق تقدم في مسلسل التسوية على أسس قوية وسليمة والالتزام بالمحددات الواضحة الواردة في قرارات مجلس الأمن وخاصة التحلي بالواقعية وروح التوافق والاعتراف بجدية ومصداقية الجهود التي بذلتها المملكة في إطار مبادرة الحكم الذاتي .
إن مهمة روس كانت و لازالت صعبة فالمنطقة التي يداعب فيها قدراته التفاوضية ليس لها الآن أولوية مطلقة فالأوضاع المحتقنة في الشرق الأوسط والأزمة المستعصية مع إيران، فضلا عن الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية و الأزمات المالية و الاقتصادية التي تعصف بجل دول الاتحاد الأوروبي. زد على هذا عدم الإستقرار السياسي الذي تعرفه كل من تونس و ليبيا و شمال مالي و التهديدات التي تمارسها القاعدة عبر تلك الحدود ،و انتشار لغة الصراعات القديمة و المستحدثة. كل هذا يمكن أن يكون حافزا ممتازا للسير في ركب المقترح المغربي و الإبتعاد عن النفخ في عوامل عدم الثقة و تشجيع العقول غير الحكيمة للتعامل بمنطق قطاع الطرق،فالوقت الآن يمكن أن يكون بجانب الحل الحكيم عوض الاتجاه نحو حروب استنزافية لن تأتي بنتيجة مُرْضِيَة للأجيال الحالية و المستقبلية، فقط ضروري توخي الحذر في مقاربة الملف من أجل السلامة العامة في المنطقة