مع تقديم مشروع القانون المالي 2013 أمام البرلمان، لم يعثر أولئك الذين لم يعودوا يجدون ما يستفزون به مشاعر المواطنين، سوى العودة إلى ميزانية البلاط، تماما كما فعلوا السنة الماضية، وفعلوا من قبل، من دون أن يتوفقوا في تحريك شعرة لدى الرأي العام، غير تكرار الكلام الذي نفرت منه الآذان منذ زمان.
ولا يشكل الحديث عن كلفة الملكية سبقا صحفيا مادامت ميزانية القصر الملكي، ليست طي الكتمان، بل تُنشر كل سنة. كما أن الحديث عن الكلفة لا معنى له، لأن للديمقراطية كلفتها الباهظة ماديا، وإذا ما تم إتباع منطق الكلفة فسترتفع غدا أصوات تطالب بإغلاق البرلمان بمبرر أنه مكلف ماديا، وتسريح الحكومة بدعوى أنها مكلفة، و إلغاء المجالس المنتخبة لأنها مكلفة، وهكذا دواليك.
لكن الاختيار الديمقراطي، بالمقابل، لا ثمن له، مهما توهم البعض أنه مكلف جدا، لأن هذه الكلفة تهون أمام الإستقرار السياسي، وشعور المواطن بالآمان، الذي يوفره هذا الاختيار.
هناك من يحب التلاعب بالأرقام، بالرغم من أن الأرقام هي فن الكذب بامتياز حين يتم توظيفها خارج نطاقها الصحيح، من أجل التفريج عن كرب النفس "الأمارة بالسوء"، وذلك عن طريق افتعال مغالطات.
إن ميزانية البلاط لا تمثل أي استثناء، فهي تخضع لنفس منطق إعداد باقي الميزانيات والمصادقة عليها، و لا حاجة إلى مقارنتها مع ميزانية أخرى من باب التضليل، لأنه كما يقول الفقهاء " لا مقارنة مع وجود الفارق"، كما أن ميزانية البلاط تشمل الإدارة بدءا بمستشاري الملك وأعضاء الدواوين والكتابة الخاصة، وانتهاء بالأعوان، وتهم أيضا الصيانة والتجهيزات والأسفار والاستقبالات، والمجالس الاستشارية التي يتقاضى أعضاؤها تعويضاتهم من هذه الميزانية.
ولا يمكن استيراد نماذج من الخارج كميزانية البلاط الإسباني أو قصر الإليزي أو حتى قصر المرادية من أجل إقناع المغاربة بما لا يمكن أن يقتنعوا به، لأنهم يعرفون الفروقات الدقيقة بين طبيعة النظام السياسي في كل هذه البلدان، ويعرفون أيضا أن الملك لا يستقر إلا نادرا في العاصمة الرباط، لأنه اختار أن يستمع إلى نبض الشعب، ولأنه اختار أيضا أن يشرف بنفسه على بناء المغرب الحديث بكل ما يحتاجه من موانئ ومطارات وقطارات ومناطق صناعية من دون أن يطلب تعويضا إضافيا على ذلك، لأنه يعتبر ما يقوم به يندرج في صلب مهامه، ومن دون أن يلتفت لكل الحماقات التي قد تشغله قيد أنملة عن ممارسة هذه المهمة.
رشيد الانباري.