رمضان مصباح الإدريسي.
سؤال من الخليج ،وجواب للجزائر:
في 23ماي 2011نشرت موضوعي:"رسالة مجلس التعاون الخليجي:الثالوث الحلال"وقد أكدت يومها على أن قراءة الرسالة الخليجية الموجهة للمغرب، على أنها مائدة من السماء، نزلت على المغرب المأزوم اقتصاديا فيها كثير من التهافت و التبسيط والتسطيح ؛إضافة إلى كونها تعكس نظرة ضيقة إلى الثروة؛ تحصرها في الذهب والفضة فقط.
وقد سعيت إلى تفكيك هذه القراءة و قلبها رأسا على عقب ؛حتى عُدَّت مقاربتي استفزازية في موقع خليجي نشرها .
لقد أبرزت ثراء المغرب السياسي و المؤسسي ؛وهو الثراء الذي لا نلتفت إليه كثيرا ؛كما نقلت الى الواجهة ثراءنا الفلاحي, وحيوية فلاحينا وقناعتهم ؛إضافة إلى ثرائنا الجغرافي ؛موقعا ,بيئة ,بحارا وجبالا.
وأضيف هنا ثراءنا الثقافي ؛وهو الأقرب الى الذهنية الخليجية مما يرشح من محيطها القريب .
كل هذا مما يعوز دول الخليج ,المتخمة ثراء ,نعم, لكن الهزيلة الساقين ,المتعثرة القدمين؛ولدينا كل ما يلزم لتحويل جسدها ,السياسي والاقتصادي,من السمنة المفرطة والترهل إلى الرشاقة والخفة والعنفوان.
لقد جربت هذه الدول ؛إذ داهمتها الأزمة النقدية العالمية,وهي موغلة في التعالق مع أرقى المنظومات النقدية العالمية؛أن أفضل حصانة للمال هي التي تتأتى من خلال جعله-أساسا- في خدمة التنمية المباشرة للإنسانية .
إذا لم يلد المال رقيا تنمويا , وحضاريا,لبني البشر فلا خير في تكديسه لُبَدا تفرخ لبدا.
وخلافا لكل التوقعات – وقتها-وُجّْه جوابُ المغرب الرسمي ,على الرسالة الخليجية, للجارة الجزائر ,وسائر دول الاتحاد المغاربي: نرحب بعرضكم لكن أولويتنا مغاربية.
لم يكن المغرب ملزما بهذا التصريح، بل ألزم به نفسه ؛وهو بصدد تمفصل تاريخي مهم.
بعد كل هذه المدة تبين ألا إقبال لمن تنادي,الا على مزيد من التفرقة بين الشعوب المغاربية؛ولم يعد من خيار أمام المغرب سوى إعادة تصويب التسديد؛ بتوجيه الإجابة إلى أصحاب السؤال السامعين ؛وليس الصم ؛وذلك ببناء علاقة متميزة مع مجلس التعاون الخليجي ؛دون انتظار "غودو":
انتظار تبلور خطاب مغاربي موحد، يحاور كل التكتلات والتحالفات الدولية ,السياسية والاقتصادية, مُصْدرا عن وحدة وقوة مستمدتين من شعوبه؛ومن شساعة سوقه.
لعل الأحذية الثقيلة في الجزائر لا تجد لها معنى في سهول الخير والنماء؛ فتفضل المراقي الوعرة والممتنعة ؛وان أدت إلى مهالك الشعوب.
ألم يقل الراحل هواري بومدين ؛في إحدى خطبه الفصيحة جدا: "كنا على شفا حفرة فزدنا بخطوة إلى الأمام"؟
ما كان للجزائر أن تصد الاتحاد المغاربي كل هذا الصد ؛وكأنه خاض ضدها حربا نووية ؛وفي نفس الوقت تبذل قصارى جهدها لتمتعها الدولة الفرنسية بمجرد اعتذار على جرائمها ؛ليسيل الود بينهما ماء سلسبيلا.
ها قد فعلها الاشتراكي هولاند ؛وماذا بعد؟
وجواب لبشار الأسد:
جواب ملكي ,من القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ حين تترك المدرعات جانبا وترتدي زيها الأبيض ،لتكفكف دموع الأمهات والآباء والأبناء ؛في هروبهم، بكل جراحهم ،من بطش رئيس لم يعد يرى غير شعبه عدوا له؛في كل المعمور.
لقد تواترت الإدانات ,من الملوك والرؤساء ,والكتاب والشعراء والسياسيين لكن الإدانة الملكية كانت أقسى على تمثال القسوة السوري ؛وكانت أبلغ من كل قصيدة نظمت بدمع ودم.
سيتذكر الشعب السوري ,غدا, أن ملك المغرب ؛إذ سارع إلى إقامة مشفى المغاربة,المتعدد الاختصاصات, بالتراب الأردني,أبى إلا أن يزوره حتى يتأكد من بلائه الحقيقي ، في مواجهة البطش الظالم بالبلسم الشافي .
كم يمكر التاريخ:
لعل المرحوم الحسن الثاني ؛وهو يوجه أسود الأطلس – ذات تناد عربي- إلى الجولان، للذب عن الشعب السوري؛ لم يدر بخلده أن ابنه سيكون مضطرا لتحريك قواته البيضاء لمداواة هذا الشعب الرائع ,لكن من جراح أسوده.
لقد خففتم بعضا من كرب الشعب المغربي ؛وهو يصبح ويمسي على احتراق حواضر سوريا ،وريفها؛ وعلى أطفالها ؛وهم يموتون رعبا ,قبل الموت موتا.
وعلى فنانيها ومثقفيها ؛وشعرائها ؛وهم يذبحون من "فعولن" إلى "مفاعيلن".وان شئتم من الوريد إلى الوريد.
لقد جعل الأسد الرهيص من إسرائيل مجرد تلميذ كسول في مدرسة الحقد والبطش.وقد بدا الجولان محظوظا لأنه تحت الحماية الإسرائيلية؛هناك حيث لا يستطيع الأسد قتل ولو قط واحد.
وكم هو بليغ قول هند زوجة الحجاج في هجائه؛بعد أن تزوجها رغم أنفها:
وما هند إلا مُهرة عَربية سليلةُ أفراس تحللها بغلُ
فان تلِد مُهرا فلله درُّها وان تلِد بغلا فقدْ جادَ به البغلَ
وإذا كانت هذه الحكاية تنتهي بهند وهي طالق؛ثم وهي عروس,في طريقها للخليفة عبدالملك بن مروان ؛وفي ركابها- بإلحاح منها- الحجاج نفسه ؛نادما بل خانعا ذليلا ؛فانك – ياقاتل الأطفال- ستنتهي ,كما هو,ذليلا طريدا ,تنظر الى سوريا ؛وهي غادة ترفل في بهاء الحرية؛صوب غدها المشرق بعيدا عن بعثك الكاذب ,وممانعتك المزيفة...
ستلد سوريا أسدها الحقيقيين ؛لكن ليس منك.
شكرا جلالة الملك ؛طبيب الشعب السوري في محنته.
وهذا الخليج الذي ننتظر منه وينتظر منا الكثير: الى الذين يتخوفون من حرب وشيكة على ايران ؛من طرف الولايات المتحدة واسرائيل ؛ويتوقعون أن تصيب شظاياها دول الخليج ؛وهي لا تستطيع صدها لأن الثروة تنآى دائما عن المجالدة والقتال؛اذ لا رجال تربيهم البورصة.
ثم يتوجسون خيفة من حروب الخليج؛ أن يُستدرج لها جيشُنا الباسل .
لهؤلاء أقول: طيب ؛وحتى في غياب أي دعم و استثمار خليجي في المغرب ؛هل تظنون أن المملكة ,السنية المالكية, ستلزم الحياد ؛وهي ترى جحافل الشيعة السياسية تزحف على إمارات الخليج كزحفها اليوم على الشعب السوري؟
وفي ماذا يفيد هذا الحياد إذا سالمت العدو اليوم لتجده جارا لك في الغد؟
لا افهم في الاستراتيجيات العسكرية ؛وهي لا يكاد ينتهي تعديلها في كل الدول المعنية ؛أو التي ستكون معنية اذا ما اندلعت هذه الحرب المدمرة؛ لكنني متأكد أن المملكة المغربية- وهذا حاصل معها عبر التاريخ- لا يمكن أن تتخلف عن نجدة من يطلب منها ذلك ؛في إطار الشرعية الدولية.
لازلت أذكر قولا للمرحوم الحسن الثاني ؛وهو ينبه إيران الخميني الى قوة العمق السني ؛تحذيرا لها – وقتها- من مغامرة تركب على شعبية الخمينية ,في العالم العربي.
لقد أسس لهذا بتعجب من دروس تاريخية علمتنا أن حروب الشيعة والخوارج ,وذكراها المؤلمة,ذهبت مع الريح .طواها الزمن.
نظرة إستراتيجية بدت ,وقتها, سابقة لأوانها؛خصوصا ولم تكن الولايات المتحدة قد دخلت,بعد, على الخط لتوسع الهوة لتغرس, أكثر, إسفين الشقاق بين التيارين الإسلاميين.
ها قد تأكدنا اليوم من صدق هذا التوجس ؛وها نحن نمسي ونصبح على الشيعة الايرانية واللبنانية وهي تحرق مُهَج الأسر في سوريا ؛بعد أن تقبلت ,بفرح ,هدية الولايات المتحدة في العراق الجريح.
فهل تعتقدون ,بعد هذا , أن المغرب لن يكون خشاشا "كراس الحية المتوقد" إذا نادى المنادي ؛من الحجاز وغير الحجاز؟
وقبل هذا لا بد من التفاؤل:
بعلاقات مغربية خليجية تحقق الأمن المكتمل والشامل للجميع ؛فأغلب أراضينا أراضي تستمطر السماء؛ وكأن ما تحتها ،وما هو جنبها ليس من تلكم السماء .
سواعد فلاحينا لا تعرف الوهن ؛إلى درجة أنك قد تجد صاحب المائة عام منكبا على وجهه في حقله؛على خطى أجداده .
ولنا من الطاقات الشابة ,المؤهلة وغير المؤهلة, ما يقيم أود مغرب ومائة خليج.
من مقاولاتنا ما أصبح عابرا للقارات ؛ومستعدا ليشتغل على التنمية والاعمار حيثما أمطرت.
وقد وقف الخليجيون على جودة منتجاتنا الفلاحية؛ولعلهم على استعداد ل" التواطؤ" أكثر مع فلاحينا ؛حتى ينتجوا غذاءهم,بأنفسهم, في سهولنا.
إن من يستغل منطقة الظهراء المغربية ,وهي شاسعة وخالية,في قنص القطا فقط ؛من الممكن ألا يمانع إذا عرض عليه اعمارها وتأهيلها للحرث والزرع.
هذه الظهراء التي حولها المغرب الى مصدر للطاقة البديلة يمكن ان تتحول الى رافعة حقيقية للتعاون.
قد لا تكون ثروة الخليج مهددة ,على المدى القريب؛لكن من المؤكد أن الموجود سيصبح مفقودا؛ومن هنا ضرورة النظرة الخليجية الإستراتيجية التي تتطلع إلى أبعد من آبارالنفط ..
ورغم ديمقراطيتنا الفتية ,والمعاقة أحيانا؛ فإنها تشكل نموذجا لدول نسيت بناء الدولة وهي تبني الثروة.
وهما أمران قل أن يتأتيا دفعة واحدة؛ولهذا كان الحسن الثاني يفضل ألا يستخرج البترول حتى ولو وجد في المغرب.
ما أروع الدرس: نتعلم أن نكون فلاحين أولا.
عودة ميمونة ؛ومرحبا بالخليج في المغرب ؛غنيا أو فقيرا..